ومن الحوادث الغريبة والنوادر العجيبة أنه أشيع أن بحر النيل زاد في هذه الأيام بعد ما قد مضى من هاتور نصفه نحو ثلاثة أذرع، حتى قيل: بقي على علام الوفا ست عشرة أصبعا، فعد ذلك من النوادر الغريبة التي لم يقع مثلها فيما مضى من الزمان، ولم يحصل بهذه الزيادة نفع للناس، بل أغرقت الزروع التي زرعت على الشطوط، والأمتعة، وهذا من جملة عجائب صنع اللجه تعالى فكان كما يقال في المعنى:
النيل أفرط فيضا … بفيضه المتتابع
فصار مما دهانا … حديثنا بالأصابع
ثم أشيع من بعد ذلك أن النيل قد دخل إلى خليج الزربية من عند قصر ابنالعيني، فتطير الناس من ذلك، ثم أشيع أن الماء دخل إلى الخليج الناصري وفاض حتى دخل إلى بركة الرطلي، وغرق الزرع الذي كان بها، فعد ذلك من النوادر الغريبة.
وأشيع أن جهات المنوفية غرق ما كان زرع بها، وهي عدة أفدنة كثيرة، وكذلك غرق غالب البراسيم التي بالجيزة وما حصل بهذه الزيادة للناس خير.
وفيه أفرج ملك الأمراء عننجم شيخ العايد، وخلع عليه وأعاده في مشيخة العايد، كما كان أولا. وخلع على أربعة أنفار من عربان السوالم، وقرر معهم أن يجمعوا من العربان ما يقدرون عليه، بسبب ملاقاة نائب الشام جان بردي الغزالي، فإنه تزايدت الأخبار بسلطنته بالشام، وقد تلقب بالملك الأشرف صاحب الفتوحات، وزينت له دمشق ثلاثة أيام، وأوقدت له الشموع على الدكاكين، وقبل له الأمراء الأرض. وقد جمع العسكر الكثير وهو قاصد نحو الديار المصرية.
وفي يوم الأربعاء ثالث شهر ذي الحجة توفي الإمام العالم العامل شيخ الإسلام والمسلمين، مفتي الأنام في العالمين، بقية السلف، وعمدة الخلف، عالم الوجود على الإطلاق، ومن ذكره قد شاع في الآفاق، فهو آخر علماء الشافعية بالديار المصرية، وانتهت إليه رياسة الشافعية، فهو شيخ الإسلام زين الدين زكريا بن محمد بن محمد الأنصاري السنيكي الشافعي رحمة الله عليه.
كان مولده في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ومات وله من العمر مائة سنة وسنتان بعدها. وكان رئيسا حشما في سعة من المال، وولي قضاء الشافعية في دولة الأشرف قايتباي، وأقام بها نحو عشرين سنة، ومات وهو معزول من القضاء، وقد كف بصره قبل وفاته بمدة طويلة.
وحضر مبايعة خمسة من السلاطين، وهم الناصر محمد بن قايتباي، وخاله الظاهر قانصوه، والأشرف جان بلاط، والعادل طومان باي، والأشرف الغوري.