ثم أن ملك الأمراء نادى في القاهرة بأن لا أحد من الناس يرد معاملة الفضة، وكل من ردها شنق من غير معاودة، وكانت الفضة يومئذ في غاية الغش كلها نحاس، إذا باتت ليلة واحدة تنكشف كلها، وكانت الانكشارية تدخل الأسواق وترمي تلك الفضة النحاس على التجار، فكل من رد منها شيئا تنهب دكانه، ويضرب ذلك التاجر حتى يأخذها غصبا على رغم أنفه، فيأخذون منه أشرفيا ذهبا ويعطونه أشرفيين من تلك الفضة النحاس، فحصل للناس في ذلك غاية الضرر الشامل.
وفي يوم الجمعة سادس عشره خطب في مدرسة الست خديجة ابنة درهم ونصف، التي بالقرب من جامع التركماني عند طاحون السدر، فاجتمع هناك قضاة القضاة الأربعة، وأعيان المباشرين، وأعيان الناس، وخطب بها في ذلك اليوم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل، وكان ذلك اليوم مشهودا.
وكان أصل هذه المدرسة قاعة أنشأها الدرهم ونصف، ثم بدا لابنته خديجة أن يجعلها مدرسة، فأنشأت بها المحراب وجعلت بها منبرا ومأذنة، وجعلت فيها خلاوي للصوفية، ثم أنها وقفت عليها جميع جهاتها المخلفة عن والدها، فجاءت من محاسن الزمان، وكانت ذلك عني الصواب، وقصدت بذلك الأجر والثواب.
وفي هذا الشهر قدم جماعة كثيرة من إسطنبول ممن كان نفي إليها من الأعيان بالديار المصرية، منهم كمال الدين بن معين الدين الموقع، وابن نصر الله، ومرعي الذي كان من جماعة الأتابكي سودون العجمي، وأحمد الضيروطي، ومحمد بن فروشيخ جهات الأميرية، وحضر محمد بن إبراهيم الذي كان متحدثا على الزمامية، وحضر محمد ابن القاضي فخر الدين بن العفيف الذي كان كاتب المماليك، وحضر محمد بن علي كاتب الخزانة، وحضر ابن العمريطي، وحسام الدين نواب الدهيشة، وآخرون منهم لم يحضرني أسماؤهم الآن، والكل فروا من إسطنبول من غير إذن من الخنكار ابن عثمان.
وحضر جماعة من السيوفية والحدادين والنجارين والبنائين والمرحمين وغير ذلك ممن كان توجه إلى إسطنبول، فحضر الكل هاربين من غير علم السلطان، فلما حضروا أشيع موت ابن شقيرة التاجر الذي من سوق مرجوش، وأشيع موت جماعة كثيرة هناك من أعيان أهل مصر قبل ذلك، وقدمت الأخبار بوفاة جان بك دوادار الأمير طراباي، وكان من وسائط السوء. وتوفي محمد ابن يوسف الذي كان ناظر الأوقاف، وكان من وسائط السوء أيضا. وتوفي محمد المسكي الذي كان من سوق الوراقي، وتوفي هناك جماعة كثيرة لم يحضرني أسماؤهم الآن.