وفي يوم الجمعة ثاني عشريه وقع من الحوادث أن ملك الأمراء كان وضع في الرميلة - عند القماحين تجاه سبيل المؤمنين - فلقين خشب نخل كهيئة المشنقة، ووضع فيهما حبالا وكلاليب حديد كبارا. وأشيع بين الناس أن ملك الأمراء يقصد بعد العيد أن يشنق جماعة من مشايخ العربان ويشنق جاني بك كاشف الشرقية، وأينال كاشف الغربية، ويشنق جماعة من الكملية والانكشارية، فجاؤوا إلى تلك المشنقة ورموا الأخشاب التي هناك، وقطعوا الكلاليب والحبال، ثم توجهوا إلى بيت كمشبغا الوالي وقصدوا أن يهجموا عليه، ثم ضربوا النقباء الذين على بابه، ثم توجهوا إلى الوراقين وقصدوا أن يقتلوا الجماعة الذين كانوا تعصبوا على المحلاوي حتى وسطوه، وكادت أن تكون فتنة عظيمة، وباتوا على ما كانوا عليه من طلب الشر مع ملك الأمراء.
وفي يوم السبت ثالث عشريه ثارت الكملية والانكشارية، وطلعوا إلى الرميلة، وقصدوا نحو المماليك الجراكسة، وكان الأمير قايتباي الدوادار واقفا قدام باب السلسلة، فلما رأى التركمان وتزايد الأمير منهم، سل السف هو ومن معه من الأمراء الجراكسة، وقصدوا مقاتلتهم، وأغلظ التركمان على المماليك الجراكسة، وقالوا لهم: إيش أنتم واقفون تتفرجوا علينا، نحن في بعضنا نفتتن، إيش أدخلكم بيننا، ثم انفض ذلك الجمع على غير رضا، ونزل كل أحد إلى دادره، ثم أن التجار نقلوا أمتعتهم ممن الدكاكين خوفا من النهب، واختفى غالب تجار سوق الوراقين المعينين الذين كانوا تعصبوا على المحلاوي.
وفي يوم السبت المذكور توجه جماعة من الانكشارية والأصباهية إلى بيت شخص من تجار الوراقين يقال له: كريم الدين البلدي، فنهبوا كل ما فيه، وقبضوا على أولاده ونسائه وعبيده وجواريه ولم يظفروا به. ثم أشيع أنهم قبضوا على جماعة من الوراقين ووضعوهم في الحديد، وقيل: إنهم ممن تعصبوا وشهدوا على المحلاوي بما قيل عنه.
فتنكد جميع التجار لهذه الواقعة، وصار على رؤوسهم الطيرة من التركمان، وحولوا أمتعتهم من الدكاكين، وصارت الناس على وجل، خوفا مما يأتي منهم، واستمر التركان على ما هم عليه من إقامة فتنة عظيمة والأمر لله تعالى.
وفي يوم الاثنين خامس عشريه نادى ملك الأمراء بالقاهرة بأن القلعي شيخ سوق الوراقين يظهر وعليه أمان الله تعالى، وإن لم يظهر بعد ثلاثة أيام وغمز عليه ويحرق المكان الذي هو فيه والحارة أيضا، واستمر كمشبغا الوالي مختفيا لم يظهر. وقد عين التركمان القتل لخمسة من تجار الوراقين وشخص من تجار الجملون يقال له: ابن ظلام، وهم الذين شهدوا على المحلاوي بما تقدم، وتعصبوا عليه. واستمر الاضطراب عمالا بسبب ذلك.