وفي أواخر هذا الشهر قدمت الأخبار من مكة المشرفة بوفاة ابنة العلائي علي بن خاص بك، وهي أخت خوند زوجة الأشرف قايتباي، وكانت رئيسة حشمة في سعة من المال، وقد تزوجت بعدة أمراء مقدمي ألوف، وهي حماة الأشرف طومانباي، جاورت بمكة وتوفيت هناك.
وفي يوم الخميس آخر الشهر، كانت ليلة رؤية هلال رمضان، فتوجه قضاة القضاة إلى المدرسة المنصورية التي بين القصرين، وحضر القاضي عبد العظيم المحتسب، فلما رؤي الهلال وانفض المجلس، قام القاضي عبد العظيم وركب من المدرسة المنصورية، فلاقته الفوانيس والمشاعل من هناك، وعلقت له القناديل على الدكاكين، ومشت قدامه الشموع والسقاؤون بالقرب كما كان يصنع القاضي بركات بن موسى الحتسب، فاستمر في هذا الموكب الحافل من بين القصرين إلى بيته الذي في باب النصر، والرسل قدامه بالشموع الموقودة، وكانت تلك الليلة من الليالي المشهودة في الفرجة والقصف، وفيه يقول الأديب ناصر الدين محمد بن قانصوه:
كعب عبد العظيم كعب رخاء … ريح تسعيره الرخاء رخاء
باشر الحسبة الشريفة في المح … ل فراح الغلا وجاء الرخاء
من كذا كعبه لدى المحل خصب … فهو طب للداء فيه دواء
دام فيها مدير الحكم بالحك … مة ما قابل الصباح المساء
*****
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة، فطلع القضاة الأربعة، وهنأوا ملك الأمراء بالشهر، ومما وقع في ذلك اليوم أن قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل تكلم مع ملك الأمراء في ذلك المجلس بسبب نقيبه نور الدين علي الميموني، وقد تقدم القول: إن ملك الأمراء نفاه إلى دمنهور، فلما كلمه القاضي كمال الدين بسبب ذلك رسم بإعادته إلى مصر، بشرط أن يكون بطالا، ولا يتكلم في النقابة بباب القاضي أبدا، ومنع بقية القضاة أن يجعلوا لهم نقباء على أبوابهم، ثم انفض المجلس على ذلك وقامت القضاة.