وفي يوم الجمعة سادس عشر شعبان كان وفاء النيل المبارك، ووافق ذلك تاسع عشر مسري، ففتح السد يوم السبت سابع عشر شعبان الموافق لعشري مسري، فأوفى الله الستة عشر ذراعا، وزاد من الذراع السابع عشر أصبعين. وفتح السد في العام الماضي ليلة النصف من شعبان، فكان التفاوت بينهما يومين، وقد قال الناصري محمد بن قانصوه:
شاهدت عند النيل يوم الوفا … حرزا عظيما جانب الشط
للعين والنظرة فيه غدت … كتابة بالكسر والبسط
فلما طلع ابن الرداد، وأخبر ملك الأمراء بوفاء النيل المبارك، نزل من القلعة وتوجه إلى المقياس، وخلق العمود ومد هناك مدة حافلة، ثم قدموا له المركب الغراب الذي كان عمره السلطان الغوري، فنزل فيه وتوجه إلى نحو السد الذي عند رأس المنشية، ففتحه وأظهر التعاظم في ذلك اليوم، وفرق المجامع الحلوى، والمشنات الفاكهة، وكان ذلك اليوم مشهودا من كثرة المراكب والنفوط والطبول والزمور. ثم ركب ملك الأمراء من هناك وتوجه إلى القلعة، ثم توجه الأمير كمشبغا الوالي ففتح السد الذي عند قنطرة لسد، وفتح سد قنطرة قديدار، ورجع إلى داره، وكان يوما مشهودا، وقد عمت هذه الفرجة كل الناس.
وفيه أنفق ملك الأمراء الجامكية على المماليك الجراكسة، فأنفق لهم شهرين، وكان لهم جامكية أربعة أشهر مكسورة. ثم أن القاضي شرف الدين الصغير، عوق جوامك جماعة من أولاد الناس بسبب ذلك.
وفيه تغير خاطر ملك الأمراء على جان بك كاشف الشرقية، فأرسل بالقبض عليه وإحضاره في الحديد وقد كثرت فيه الشكاوى من الناس، واستغاثوا من ظلمه، فلما حضر بين يدي ملك الأمراء وبحه بالكلام، ثم وضع جنزيرا في عنقه، وقيدا في رجليه، وأرسله صحبة جماعة من الانكشارية إلى الشرقية، ورسم بإشهار المناداة في الشرقية بأن من ظلمه جان بك كاشف الشرقية، عليه بملك الأمراء يخلص حقه، ثم عزل جان بك من كشف جهات الشرقية، وقرر شخصا من الأتراك يقال له: إياس، وكان دوادارا بخدمة خاير بك المعمار قديما، وقد تعين باش العسكر الذي كان قد تعين إلى جدة ولم يتم له ذلك.
ثم أن ملك الأمراء في عقيب ذلك، أرسل بالقبض على أينال السيفي طراباي كاشف الغربية، وأحضره في الترسيم، واستمر على ذلك إلى الآن لم يخلص من الترسيم.