للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزيز في مصر نافذ الكلمة وافر الحرمة، وهو آخر كتاب السر بالديار المصرية ولم يوجد بعده من يناظره في الرياسة والتعاظم والنظام، ومشى مشي الرؤساء المتقدمين في كتابة السر، وكان مولده سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، ومات وهو في ست وأربعين سنة، وكان كثير الأمراض في جسده، وأكثر إقامته في داره، والناس تسعى إليه في أشغالها، ولما مات رثاه الأديب ناصر الدين محمد بن قانصوه بهذه المرثية:

ألا في سبيل الله نجل أجا الذي … يكل إذا عدت فضائله الفكر

فضائله كالزهر والزهر ذكرها … ومنظرها إذ فيهما النشر والبشر

كنجم بأفق الملك كان كم اهتدى … به من بليل الهم ضل به الحجر

كتابة سر الملك مات لكونها … به ختمت والسر من بعده جهر

لذا كان محمودا وبالقلب ذكره … رعى الله محمودا له الحمد والشكر

فمن مثل محمود ومن مثل قلبه … وذا القلب ممدوح يلذ به الذكر

لقد كان كالنعمان في العلم والسخا … وفي الفخر نعم العلم والجود والفخر

له فكرة كانت تمد يراعه … بدائع لفظ نظم إبداعها الدر

لعمرك ما في الفصل والوصل مثلها … بيان معانيها لرب الحجا سحر

أرى الله منه الروح روحا تفضلا … عليه وريحانا وزيد له الأجر

وصير قبرا ضمه خير روضة … يطيب بها فيه له اللف والنشر

وفي يوم الخميس رابع عشريه ثارت الأصباهية على ملك الأمراء وطلعوا إلى الرميلة، ووقفوا بها فأغلقوا في وجوههم باب السلسلة، وباب الميدان، فصاروا يسبون ملك الأمراء سبا فاحشا، وكان سبب ذلك أنه كان لهم ثلاثة أشهر جامكية منكسرة فأنفق عليهم شهرين وتأخر شهر واحد، فقالوا: ما نسافر حتى تنفق علينا الشهر المنكسر، وإلا نزلنا فنهبنا المدينة وشوشنا على الناس، فوقع الاضطراب بالقاهرة، وغلقت الأسواق والدكاكين في ذلك اليوم.

ثم أن الأصباهية توجهوا إلى بيت الأمير قايتباي الدوادار، وأركبوه من بيته غصبا وطلعواه إلى ملك الأمراء، وطلعوا أيضا بالأمير كمشبغا الوالي فاجتمعا بملك الأمراء وحدثاه في أمر الأصباهية بأن ينفق عليهم ذلك الشهر الذي تأخر لهم، فتوقف في ذلك. ثم رسم لهم بأن ينفق عليهم ذلك الشهر فيما بعد، وأخذوا في أسباب عمل برقهم والتوجه إلى إسطنبول.

وفيه أشيع أنه حضر من إسطنبول جماعة ممن كان بها من السيوفية والحدادين والبنائين والنجارين والمرخمين وغير ذلك من الصناع، وأشيع أن الخنكار أنشأ له هناك

<<  <  ج: ص:  >  >>