ثم في عقيب ذلك اليوم طلع المماليك الجراكسة إلى الميدان بسبب تفرقة الأطلاق، فحضر القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك وفرق الأطلاق، فأعطى لجامعة من المماليك فدان طين ونصف، وبعض فدانا، وبعض نصف فدان، فتضرر المماليك من ذلك، وقالوا: إيش يكفينا النصف فدان؟ وشكوا من ذلك فسبهم القاضي شرف الدين سبا قبيحا، وقال لهم:"يا كلاب يا زاربين أنتم بقي لكم باب وإلا راس حتى تتكلموا، بيضتم وجوهكم في ءيش حتى تستحقوا إطلاقات"؟ وبهدلهم غاية البهدلة، فنزلوا من الميدان على أقبح وجه. وقد قلت أبياتا في هذا المعنى:
لما تكبرت الجراكسة التي … كانت بمصر أذلهم رب الورى
وأذاقهم ذل السؤال وفاقة … أيدي وأدبهم بما لهمو جرى
وفي هذا الشهر وقعت بين ملك الأمراء وبين الأمير قايتباي الدوادار فتنة، وصار كلما طلع إليه يمقته. وسبب ذلك أن شخصا من عربان السوالم كان عند قايتباي، فأرسل خاير بك إليه انكشاريا أخذه من عنده، ووضعه في الحديد، فصار بينهما حظ نفس في الباطن.
وفيه قدمت الأخبار من إسطنبول على يد شخص من العثمانية، وصار يفرق مراسيل على عيال من توجه إلى إسطنبول، فذكروا في كتبهم وفاة جماعة كثيرة من أهل مصر ممن توجه إلى إسطنبول لم تحضرني أسماؤهم الآن.
وأشيع أن الخنكار لما رحل عن حلب إلى بلاد علي دولات، نزل بمرعش وأقام بها مدة، ثم رحل من هناك وتوجه إلى إسطنبول، وهي القسطنطينية العظمى محل كرسي مملكة ابن عثمان، فقيل: إن أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله لما بلغه مجيء الخنكار، خرج من إسطنبول ولاقاه هو وأولاد عمه، والعلائي على ابن الملك المؤيد وأولاد الأمراء الذين هناك، والمباشرون وأولاد الجيعان الذين هناك، وأولاد الناس من أهل مصر الذين توجهوا إلى إسطنبول … فلما وقعت عين الخليفة على ابن عثمان أراد أن ينزل له عن فرسه، فحلف عليه الخنكار ومنعه من النزول إليه، وقيل: إنه عظمه غاية التعظيم.
وأما بقية أعيان أهل مصر الذين هناك فلم يلتفت إليهم لما خرجوا إليه ولاقوه، هكذا أشيع بين الناس، وكانوا يظنون أن الخنكار إذا دخل إلى إسطنبول يفرج عنهم ويرسم لهم بالعود إلى مصر، فلم يخاطب منهم أحدا ولم يلتفت إليهم.