للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم السبت رابع عشره، وفي النيل المبارك وزاد أصبعا من السابع عشر ففتح السد في ذلك اليوم. فلما وفي نزل ملك الأمراء وتوجه إلى المقياس وخلق العمود، ومد هناك مدة حافلة. وحضر الأمراء العثمانية، ثم نزل في الحراقة وصحبته الأمراء العثمانية، وتوجه إلى السد وفتحه، وكان يوما مشهودا، وأوكب وهو طالع إلى القلعة موكبا حافلا، وكان وفاء النيل في هذه السنة على غير القياس، لأنه كان نيلا شحيحا، وسلسل في الزيادة وتوقف أياما وتشحطت أسعار الغلال جميعها، ثم وفي بعد ذلك ففرح به كل أحد من الناس، وكان الأمر كما قاله المعمار:

النيل وافى وزال الهم وانفرجت … عنا الهموم وهان القمح ثم رمى

وراح خزانه للنيل ينظره … فاستكثر الماء في عينيه ثم عمى

ومن الحوادث في يوم وفاء النيل أن شخصا من العثمانية غرق في البحر، فتنكد ملك الأمراء والعثمانية بسببه.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشره حضر قاصد من البحر من عند الخنكار بن عثمان، ولم يعلم ما قد جاء فيه، وما سبب مجيئه، وكثر القيل والقال في ذلك، ثم ظهر من بعد ذلك ما جاء بسببه، وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

ولما فتح السد وجرى الماء في الخلجان، لم تسكن البيوت في الجسر ولا التي في المصطاحي ولا حكر الشامي فشكا أصحاب الأملاك من ذلك إلى والي القاهرة، فنادى للناس في الجسر بأن يسكنوا وعليهم أمان الله تعالى، والذي لا يسكن في بيته ولا يعمره يضرب عليه ملك الأمراء رنكه ويصير ملكه، فصار يكرر تلك المناداة للناس ثلاثة أيام متوالية. فسكن في الجسر بعض بيوت، ودخل بركة الرطلي بعض مراكب البياعين.

وأما الجزيرة الوسطى فإنها خربت عن آخرها ولم يبق منها غير الجدر ورسوم البيوت لا غير، وابتاع أصحاب الأملاك بيوتهم أنقاضا، وكان السلطان الغوري سد خليج الزربية بجسر عند قنطرة موردة الجبس، فتلاشى أمر الجزيرة الوسطى من يومئذ، وخلت بيوتها من السكان، وكانت من أجل متفرجات الديار المصرية، وكان مبتدأ منشئها في دولة الأشرف أينال سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ولا زالت الناس تنشئ فيها الأملاك الجليلة إلى سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، فتلاشى أمرها وخربت جملة واحدة لما دخل ابن عثمان إلى القاهرة وجرى منه ما جرى، ونزل في بر الجيزة على رملة البحر، فصار عسكره يخرب بيوت الجيزرة ويأخذ سقوفها وأبوابها وطيقانها، فخربت بالكلية من يومئذ،

<<  <  ج: ص:  >  >>