للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما بلغ ملك الأمراء ذلك أرسل يقول للأمير قايتباي الدوادار: اخرج في هذه الساعة وسافر خلف الانكشارية، وكل من ظفرت به منهم اقتله. فصلى الأمير قايتباي صلاة الصبح وركب وخرج على حمية، وصحبته الأمير جانم الحمزاوي، والأمير على العثماني، وجماعة كثيرة من المماليك الجراكسة، وجماعة من العساكر العثمانية، فعدوا إلى بر الجيزة وأقاموا فيه ذلك اليوم حتى تكامل خروج العسكر، وخرجوا أفواجا أفواجا، فرجت لهم القاهرة في ذلك اليوم وكثر القال والقيل في ذلك اليوم بين الناس بسبب ذلك، واضطربت أحوال العثمانية في بعضهم، وصاروا فرقتين: فرقة مع ملك الأمراء، وفرقة منهم عليه.

ثم إن الأمير قايتباي رحل من الجيزة هو والعسكر وتوجه إلى نحو الميمون بالقرب من جزيرة بني علي، فتلاقوا هناك مع الانكشارية والأصباهية الذين هربوا هناك.

ثم إن الزيني بركات بن موسى المحتسب رسم له ملك الأمراء خاير بك بأن يتوجه إلى مصر العتيقة ويمسك مراكب، ويرسل فيها زوادة للأمراء والعسكر الذين توجهوا إلى الميمون. فأوسق عدة مراكب فيها زوادة ما بين بقسماط وجبن حالوم ورز وسمن وعسل وغير ذلك من الزوادة، وأرسل ذلك إلى العسكر.

ثم في يوم الأربعاء ثالث عشريه وردت الأخبار بأن الأمير قايتباي الدوادار قد انتصر على الانكشارية والأصباهية الذين هربوا، فلما تلاقوا معه عند جزيرة بني علي تصدى إلى قتالهم الأمير جانم الحمزاوي والأمير علي العثماني، فحاصر الانكشارية في المراكب، ورموا عليهم بالمدافع والبندق والرصاص، فأحرقوا مراكبهم، فطلبوا الأمان من الأمير علي، والأمير جانم الحمزاوي، وقد وقع غالبهم في البحر فغرق من غرق، وقبضوا على الباقي وأسروهم، فحزوا رؤوس جماعة منهم، وكانوا نحو ستة وثلاثين رأسا، وأسروا الباقين بالحياة. ثم إن الأمير قايتباي أرسل تلك الرؤوس ولأسارى إلى ملك الأمراء في مراكب، فلما طلعوا بها علقوها على مداري كما فعلوا برؤوس الجراكسة، والمجازاة من جنس العمل، فلما طلعوا بهم إلى القلعة قصد ملك الأمراء أن يعلق تلك الرؤوس على أبواب المدينة فشق ذلك على بقية العثمانية، ومنعوا ملك الأمراء من ذلك، وأما بقية الانكشارية الذين أسروا بالحياة فقطعوا رؤوسهم أجمعين، فقيل كانت عدة الانكشارية الذين قتلوا والذين هربوا والذين غرقوا نحو مائة وخمسين إنسانا.

ومن العجائب أن التراكمة كانت في العام الماضي تقتل أولاد الجراكسة، فعما قريب صارت المماليك الجراكسة تقتل التراكمة في الليل والنهار، وهذا عجيب! وقد ورد في بعض الأخبار "لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصار المنافقين"، وقد قيل في المعنى: لا تكرهوا الحرب إن فيه حصاد نذل مع الخبيث فمستريح ومستراح منه كما جاء في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>