توجهوا من هذه الطريق، ثم قدموا إليه مطالعة الصفوي، فأشيع أن مضمونها أنه أرسل يترفق له في المطالعة، ونعته فيها بنعوت عظيمة بأنك ملكت البلاد والعباد، وملكت مصر وصرت خادم الحرمين الشريفين وأنت الآن اسكندر عصرك، والماضي بيننا لا يعاد، فتتوجه أنت إلى بلادك، وأتوجه أنا إلى بلادي، ونصون دماء المسلمين بيننا، ومهما كان قصدك فعلته لك. فلما وقف السلطان على مطالعة الصفوي قال لوزرائه:"إن هذه الهدية التي أرسلها إلينا، وهذا الكلام الذي في المطالعة كله حيل وخداع، حتى يبطل عزمي عن ملاقاته ويطرقني على حين غفلة، كما فعلته قصاده". فقيل أنه أخذ الهدية التي أرسلها، وقتل القصاد وما أبقى منهم سوى كبيرهم فكان كما قيل في أمثال الصادح والباغم: وأن من يستنصح الأعادي يردونه بالغش والفساد.
ثم إن ابن عثمان لما وردت إليه قصاد الصفوي وهو بالشام رحل عنها، وتوجه إلى حلب، وأحد في أسباب تحصينها كما تقدم.
*****
وفي جمادى الأولى، وكان مستهل الشهر يوم الثلاثاء طلع القضاة إلى القلعة وهنؤوا ملك الأمراء بالشهر وعادوا إلى منازلهم.
وفي يوم الأربعاء ثانيه توفيت زوجة الأمير قايتباي الدوادار، وهي سرية الملك الأشرف طومان باي، التي تدعى نال باي، فلما ماتت دفنت في حوش مدرسة السلطان العوري.
وفي يوم الخميس ثالثه قدم القاضي شهاب الدين أحمد بن الجيعان نائب كاتب السر، وكان توجه إلى مكة المشرفة من البحر المالح صحبة مصلح الدين خازندار بن عثمان، فسبقه مصلح الدين وتأخر بعده مدة ثم حضر. فلما حضر طلع إلى القلعة وقابل ملك الأمراء فخلع عليه قفطانا أحمر مخملا مذهبا، ونزل من القلعة في مكب حفل وقدامه علاء الدين من القلعة في موكب حفل وقدامه علاء الدين الإمام كاتب السر، وأعيان المباشرين من أرباب الوظائف، وركب قدامه نقيب الجيش الشرفي يونس وجماعة من الأمراء العثمانية، ومن الأمراء الجراكسة. فزينت له حارة البندقانيين وأوقودا له بها الشموع على الدكاكين، وتخلقت جماعته بالزعفران … وكان ذلك اليوم مشهودا في القصف والفرجة.
وفيه رسم ملك الأمراء بالإفراج عما بأيدي أولاد الناس والنساء من المربعات التي كانوا أوقفوها من أول السنة ولم يمضها المباشرون، فحصل لأولاد الناس الضرر الشامل بسبب ذلك، وعمل المباشرون بجملة مال له صورة، وأمضوا للناس الإفراج عن رزقهم وإقطاعاتهم ونفعوا الناس غاية النفع، ولم يشعر ملك الأمراء بشيء من ذلك.