واستهل شهر ربيع الآخر، وكان أوله يوم الأحد، ففي يوم الخميس خامسه قدم إلى الأبواب الشريفة مصلح الدين بك خازندار بن عثمان، وكان توجه إلى مكة من البحر المالح صحبة لشهابي أحمد بن الجيعان، فلما نزل ببركة الحاج خرج الأمير قايتباي الدوادار إلى ملاقاته، وكذلك أعيان المباشرين، فلما طلع إلى القلعة وقابل ملك الأمراء خلع عليه ونزل إلى منزله في موكب حافل، وقدامه الأمراء العثمانية والجراكسة والجم الكثير من العسكر.
وفي يوم الثلاثاء عاشره وقعت حادثة غريبة، وهي أن ملك الأمراء خاير بك أشهر النداء في القاهرة بأن كل من رأى كلبا يقتله ويعلقه على دكانه. فبادر الناس بالقبض على الكلاب، وصارت التراكمة يمسكون الكلاب من الطرقات ويوسطونها بالسيوف نصفين، فقتلوا في ذلك اليوم ما لا يحصى من الكلاب، حتى قيل إنهم قتلوا في ذلك اليوم فوق الخمسمائة كلب على ما أشيع، وصار العياق يمسكون الكلاب من الحارات والأزقة ويقتلونها شر قتلة، وصاروا يعلقونها على الدكاكين، ولم يعلم ما سبب ذلك.
ثم أشيع بأن عادة التراكمة في بلادهم باسطنبول إذا كثرت عندهم الكلاب في المدينة يقتلون بها جانبا كبيرا من أيام الخماسين، يزعمون أن بذلك يخف الطاعون من المدينة، فصارت عندهم عادة، ثم استمر السيف يعمل في الكلاب يوما وليلة حتى هجت الكلاب مما دهاها إلى الترب والحصراء.
وقد قلت في المعنى:
تأملوا ما جرى بمصر … من حادث عم بالعذاب
فما رعى الترك من دماء … فكيف يرعوا دم الكلاب!
فلما تزايد الأمر في قتل الكلاب، طل الزيني بركات بن موسى المحتسب إلى ملك الأمراء خاير بك وشفع في الكلاب من القتل، وقال لملك الأمراء لا تتعرض لقتل الكلاب لأن أزبك أمير كبير تعرض لقتل الكلاب التي كانت بالأزبكية فلم يعش بعد ذلك غير سنة واحدة ومات، فرجع ملك الأمراء عن قتل الكلاب ونادى في القاهرة بأن يرفعوا القتل عن الكلاب، وكل من قبض على كلب يطلقه إلى حال سبيله، فدعا الناس للزيني بركات بن موسى الذي شفع في الكلاب من القتل، ثم سكن الاضطراب الذي كان بالقاهرة بسبب قتل الكلاب.