وفي هذه لأيام أشيع أن ملك الأمراء أخذ في أسباب تحصين القلعة وسد منها أبوابا، وحصن الأبراج التي بها وركب عليها المكاحل، وشرع في عمل عجلات وعمل مكاحل ومدافع، وعمل نشاب ولم يعلم ما سبب ذلك.
ثم أشيع أن ملك الأمراء أحضر مصحفا شريفا وأحضر الأمراء العثمانية الذين بمصر وحلفهم بأنهم لا يخونونه، ولا يغدرونه، وأن يكونوا هم وإياه على كلمة واحدة، ثم أنه حلف الأمير قايتباي الدوادار بمعنى ذلك، فأقام الأمراء في القلعة على ذلك إلى بعد الظهر وهم في ضرب مشورة بينهم.
ومن الوقائع الغريبة أنه في يوم الثلاثاء سادس عشرة وقعت نادرة، وهي أن شخصا ظهر بالنجارية وزعم أنه السلطان قانصوه الغوري، وصار يفسد عقول الفلاحين، ويقول لهم أنا السلطان الغوري، وصار يكتب كتبا ويرسلها إلى مشايخ العربان، وهي مخلقة بالزعفران، فصدق غالب الناس بأن السلطان الغوري قد ظهر وهو في قيد الحياة، فامتلأت القاهرة بهذه الإشاعة. فلما قويت أخبار هذا الرجل أرسل ملك الأمراء بالقبض عليه من النحارية فقبضوا عليه، وأحضروه بين يدي ملك الأمراء. فلما مثل بين يديه عرفه، وكان نصب عليه قبل ذلك وهو نائب وادعى أنه قانصوه خمسمائة الذي تسلطن، وأفسد عقول الناس أيضا بحلب، فضربه ملك الأمراء في حلب بالمقارع وقطع أنفه ثم أتى إلى مصر وأشاع أنه الأمير محمد بك قريب السلطان الغوري الذي قتل في غزاة الفرنج.
وقد نصب بسبب ذلك واحد من الكشاف ومشايخ العربان جملة تقادم. وقد قرب إلى عقولهم أنه الأمير محمد بك قريب السلطان، فبقض عليه السلطان الغوري وضربه وسجنه بالمقشرة، فأقام بها مدة. وقيل كان أصله من القواسة ببعض جهات دمشق، فلما سافر السلطان الغوري إلى حلب واستقر الأمير طومان باي الدوادار نائب الغيبة أطلقه من المقشرة مع جملة من أطلقه، فلما ادعى أنه السلطان الغوري وقبض عليه ملك الأمراء خاير بك وقال له:"أنا ما قطعت أنفك في حلب وقلت لي أني تبت عن الكذب على الملوك". ثم أنه رسلم بتكليبه على باب الشعرية، فنزلوا به من القلعة وربطوا رجله في ذنب أكديش، وصار يسحبه على وجهه إلى باب الشعرية، والمشاعلية تنادى عليه: هذا جزاء من يكذب على الملوك. فرجت له القاهرة في ذلك اليوم، وكان يوما مشهودا في الفرجة عليه، والناس تقول قد مسكوا السلطان الغوري، فلما وصل إلى باب الشعرية كلبوه على الباب بين البرجين، فاستمر مكلبا ثلاثة أيام لم يمت. فلما بلغ ملك الأمراء أنه لم يمت إلى الآن، رسم بأن ينزلوه ويوسطوه، فأنزلوه ووسطوه عند باب الشعرية في مفرق الطرق، بعد أن قاسى أنواع العذاب، ودفنوه ومضى أمره وكفى الناس شره.