وفي يوم السبت تاسعه قويت الإشاعات بعصيان عبد الدائم، أنه قد التف عليه عربان كثيرة من الشرقية والغربية، وطردوا أباه من الشرقية. واضطربت أحوال الشرقية إلى الغاية.
وأشيع في البلاد أن مصر ما بقي فيها أحد من عساكر ابن عثمان، فلما بلغ ملك الأمراء خاير بك ذلك رسم لخير الدين بك نائب القلعة وجماعة من الأمراء العثمانية بأن يشقوا من القاهرة ومعهم الانكشارية الذين تأخروا بمصر. فنزل من القلعة وقدامه من الانكشارية نحو ثلثمائة إنسان وهم مشاة وبأيديهم مكاحل، وشق من الصليبة وتوجه من بين الصورين وطلع من جهة سوق مرجوش، وشق من القاهرة فرجت له في ذلك اليوم، ثم عاد إلى القلعة.
وفيه أشيع أن ملك الأمراء خاير بك أخذ في أسباب تحصين القلعة، وسد منها عدة أبواب، وأبقى منها الأبواب الكبار على حكمها، وقصد أن يسد بعض أبواب من القاهرة، وأظهر الخوف والفزع، ودخلت رأسه الجراب من عبد الدايم بن بقر وكثرة العربان التي اجتمعت معه. وكثر القيل والقال في ذلك والروايات مختلفة.
وفيه أشيع أن الريس سلمان العثماني الذي كان في البرج بالقلعة وضعه خاير بك في الحديد وأرسله إلى ابن عثمان بالشام، وكثرت الحوادث في هذه الأيام جدا.
وفي يوم الاثنين حادي عشره أشيع أن ملك الأمراء خاير بك عين الأمير قايتباي الدوادار بأن يحرج إلى عبد الدائم بن بقر وصحبته جماعة من المماليك الجراكسة ومن العثمانية. وعرض في ذلك اليوم طائفة من العثمانية يقال لهم كلميا، فعرضهم في بيت سنان باشا العثماني، وعين منهم جماعة يخرجون إلى التجريدة صحبة الأمير قايتباي الدوادار بسبب عبد الدايم كما تقدم.
وفي أثناء هذا الشهر أشيع أن الخنكار سليم شاه ابن عثمان خرج من دمشق وقصد التوجه إلى حلب، وما يعلم سبب ذلك. وكثرت الأقاويل في خروجه من الشام إلى حلب.
وفي يوم الأربعاء عشري صفر عرض الأمير قايتباي الدوادار المماليك الجراكسة في بيته الذي بين القصرين، وعين جماعة منهم يحرجون إلى الشرقية بسبب عصيان شيخ العرب عبد الدائم بن بقر، وقد قويت الإشاعات بعصيانه، وقد التفت عليه جماعة كثيرة من العربان، وفسدت أحوال الشرقية قاطبة من قطع الطريق إلى القصاد، ونهب البلاد، ووقع الاضطراب جدا هناك حتى كادت أن تخرب بلاد الشرقية، ولما عرض الأمير قايتباي الجراكسة وجد غالبهم مشاة على أقدامهم بغير خيول ولا سلاح، فبطل أمر العرض والتجريدة.