للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عد مسك قاسم بك وقتله أعظم من مسك الأشرف طومان باي وقتله، فتعجب الناس من قوة سعد سليم شاه بن عثمان من مبدئه إلى منتهاه، وهذا أمر من الله تعالى ليس في قدرة بشر. وكانت الناس تظن أن قاسم بك هذا سيلي مملكة الروم بعد عمه سليم شاه، فخابت فيه الظنون وعاجله ريب المنون، وكان ذلك مما سبقت به الأقدار، والحكم لله الواحد القهار.

وفي يوم الأحد تاسع عشره أنفقوا الجامكية على المماليك الجراكسة في بيت الأمير قايتباي الدوادار، فأنفقوا لكل مملوك ألفي درهم، وهي جامكية شهر واحد، فأنفقوا عليهم يوم الأحد ويوم الاثنين.

وفي ذلك اليوم نادى ملك الأمراء خاير بك في القاهرة بأن لا أحد من الناس يخبئ في بيته عثمانيا ولا انكشاريا من عسكر ابن عثمان، وكل من خبأ عنده أحدا وغمز عليه شنق على باب داره من غير معاودة، وسبب ذلك أن الخنكار بن عثمان لما أرسل يطلب جماعة من الانكشارية ومن الأصباهية اختفى منهم جماعة وجماعة تفرقوا في الشرقية والغربية وتوجهوا إليها هاربين في البلاد، وأظهروا العصيان، وقد تقدم القول على ذلك.

وفي يوم الاثنين سابع عشرية أشهروا المناداة في القاهرة حسبما رسم ملك الأمراء بأن جميع الانكشارية والأصباهية يحرجون يوم الاثنين صحبة القصاد، وكل من تأخر منهم شنق من غير معاودة، فشق من القاهرة جماعة من الأمراء العثمانية وقدامهم مشاعلي ينادي بالتركي وآخر ينادي بالعربي وذلك بعد الظهر. فلما بلغ العثمانية ذلك اضطربت أحوالهم وخرج غالبهم إلى نحو الشرقية، وقد التفت عليهم المماليك الجراكسة، وصاروا يرمون بينهم وبين الأمراء العثمانية الذين بمصر الفتن حتى يقع بينهم الشر ويظهروا العصيان على ابن عثمان.

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرى المحرم، دخل الحاج إلى القاهرة ودخل المحمل الشريف، والقاضي علاء الدين ناظر الخاص أمير ركب المحمل، وقاضي قضاة المالكية محيي الدين بن الدميري، وبقية الحجاج، وأخبروا أنهم قاسوا في هذه الحجة مشقة زائدة وشدائد عظيمة من الغلاء وموت الجمال، وفساد العربان في الطريق، وكثرة الأمطار والسيول، وقلة العليق. ومشى غالب الحجاج على أقدامهم في الرجعة، وقد أثنوا على ناصر الخاص فيما فعله بالحجاج في الطريق من البر والصدقات وفعل الخير، وكان إذا رأى أحدا من الحجاج منقطعا يركبه على جماله وينعم عليه بالماء والبقسماط في الطلعة والرجعة. فرجع الحجاج وهم عنه راضون فيما فعله بهم، وقد رفق بهم في مشي الركب بسبب المنقطعين من الحجاج، وقد أثنوا عليه خيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>