الأمراء خاير بك، فرسم بإدخاله إلى سجن العرقانة الذي هو داخل الحوش السلطاني، فأدخلوه به وأغلقوا عليه باب السجن.
ثم اجتمع ملك الأمراء خاير بك، والأمير قايتباي الدوادار، ومن الأمراء العثمانيين فائق بك وسنان بك ومصطفى بك وخير الدين بك نائب القلعة، فلما اجتمعوا ضربوا مشورة في أمر قاسم بك، فقال ملك الأمراء خاير بك: دعوه في السجن وأرسلوا كاتبوا الخنكار في أمره وانتظروا الجواب فيما يرسم به، فقال فائق بك: هذا ما هو رأي، متى بات في قيد الحياة تدخل علينا التراكمة وتقتلنا عن آخرنا وتقع فتنة كبيرة. فلما دخل وقت العشاء أحضروا المشاعلي ودخلوا عليه وهو في العرقانة فخنقوه بها، وكان آخر العهد به.
فلما أصبح يوم السبت ثامن عشره، أخرجوا قاسم بك من العرقانة وهو ميت، ورقدوه على مسطبة بالحوش، وكشفوا عن وجهه، وأرسلوا خلف العثمانيين قاطبة حتى رأوه، فقالوا لهم: هذا قاسم بك بن أحمد بك ابن أي يزيد بن عثمان. ثم صاروا يقلبونه باطنا وظاهرا، ثم شهد منهم جماعة كثيرة أن هذا هو قاسم بك ابن أحمد بك ابن عثمان. ثم بعد ذلك أرسل ملك الأمراء خاير بك خلف قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل، وقاضي القضاة الحنفي الطرابلسي، وقامت عندهما البينة بصحة معرفة قاسم بك هذا، فكتبوا بذلك محضرا وثبت عند قاضي القضاة. ثم أنهم شرعوا في تجهيز قاسم فغسلوه وكفنوه، وأخرجوه قدام الدكة التي بالحوش السلطاني، فصلوا عليه هناك، وكان الذي صلى عليه قاضي القضاة الشافعي. وكانوا أطلقوا له نذراء في القاهرة بأن الصلاة على الشاب الشهيد قاسم بك بن عثمان، فإنه ينزل من القلعة. ثم إن ملك الأمراء خاير بك أشهر المناداة في القاهرة بأن يصلى على قاسم بك بن عثمان صلاة الغيبة في الجوامع، كل هذا حتى يتحقق الناس موته عن يقين.
فلما صلوا عليه بالحوش حمل الأمراء نعشه على أكتافهم، ثم نزلوا به من سلم المدرج، ووضعوا عمامته على نعشه ورفعوا عليه علما أبيض، ثم توجهوا به إلى تربة البجاني فدفنوه فيها على أقاربه، وكانت جنازته مشهودة، وكثر عليه الأسف والحزن منا الناس، فإنه كان شابا جميل الصورة، حسن المنظر له من العمر سبع عشرة سنة، وقد قتل ظلما بغير ذنب، وقد تناحرت عليه العثمانيون بالبكاء.
فلما دفنوه ولحدوه قطعوا رأسه بليل ووضعوها في علبة وتوجه بها جانم الحمزاوي هي والمحضر الخنكار بالشام … هذا ما أشيع واستفاض بين الناس، والله أعلم بصحة ذلك.