على باب زويلة فشنق منهم اثنان على باب زويلة، وواحد على باب الشعرية. وأما الاثنان فقد شفع فيهما من الشنق في ذلك اليوم فسجنا.
وكانت العثمانية الذين بمصر كثر منهم الأذى في حق أهل مصر من حين رحل ابن عثمان عنهم، وصاروا لا يسمعون لخاير بك كلامه، ولا له عليهم حرمة.
وفي يوم الاثنين رابع عشري شوال توجهت المماليك الجراكسة إلى بيت الأمير قايتباي الدوادار بسبب أنه وعد المماليك أنه يصرف لهم جوامك في ذلك اليوم، فطلع إلى القلعة واجتمع بملك الأمراء خاير بك، وأقام بالقلعة إلى قريب الظهر، والمماليك الجراكسة في انتظاره على بابه، فلما نزل قال لهم:"يا أغوات شاورت ملك الأمراء عن أمركم، فقال: حتى نجمع المال، وننفق عليهم الجوامك". ولم يواعدهم على يوم معين، فرجعوا من عند بغير طائل.
وقد صارت المماليك الجراكسية في غاية الذل من الفقر والعري، ومنهم من سأل الناس في رغيف يقتات به، ومنهم من يطوف في الأسواق يسأل التجار والسوقة في درهم يشتري به كبشة فول يأكلها، فسبحان من يعز ويذل، وصاروا يمشون في الأسواق لا خيول لهم ولا قماش ولا سلاح ولا بيوت تأويهم، ولا اصطبلات ولا عبيد ولا غلمان، وقد نظر الله إليهم بعين المقت جزاء ما كانوا يعملون، فسبحان من قهر الجبابرة بعز سلطانه.
*****
وفي يوم الأحد كان مستهل ذي القعدة الحرام، فطلع القضاة الأربعة إلى القلعة، وهنأوا ملك الأمراء خاير بك نائب السلطنة بالشهر، وعادوا إلى بيوتهم.
وفي يوم الخميس خامسه خلع ملك الأمراء على يوسف البدري وأعاده إلى الوزارة كما كان أولا، فخلع عليه قفطانا مخملا عوضا عن المتمر، وقد صارت الأمراء الجراكسة الذين ظهروا كلهم بقفطانات مخملة، وبعضهم بقفطانات جوخ وطراطير جوخ أسود، وعليهم عمائم مدورة، وفي أرجلهم سقمانات جلد في زي العثمانية، فصارت الأمراء الجراكسة والمماليك السلطانية كلهم على هذه الهيئة، واختلط العثمانية مع الجراكسة، حتى صاروا لا يعرف هذا من هذا إلا بشيء واحد وهو أن المماليك الجراكسة تعرف بذقونهم، والعثمانية بغير ذقون. وقد قلت في هذا المعنى مواليا:
أمشي مع الدهر قدر الجهد يا غلظان … واخلع ثياب المواكب واتبع السلطان