للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ليس لي هذا التصرف، لأني إنما أنا نائب السلطنة، وهذا لا يكون إلا بأمر السلطان، فهو الذي يفرق عليكم الإقطاعات، ويجعل لكم الجوامك واللحوم والعليق". فلما سمعوا ذلك منه سبوه سبا قبيحا وهموا بقتله، فقام ودخل البيت مسرعا، وأغلق عليه الباب دونهم، فوقع في ذلك اليوم بعض اضطراب القلعة وكادت أن تكون فتنة عظيمة. وثاروا على خير الدين الذي جعله السلطان نائب القلعة، فأغلق باب القلعة واختفى. ثم أشيع أن خاير بك أرسل إلى ابن عثمان ساعيا يخبره بما وقع من أمر هذه الحركة، وعول خاير بك على رد الجواب عن ذلك.

وفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان، نادوا في القاهرة بأن المماليك الجراكسة الذين ظهروا يلبسون الزنوط الحمر والملاليط على عادتهم، ولا يتزيوا بزي العثمانية ولا يخرجوا إلى الطرقات. وسبب ذلك أنه أشيع أن جماعة من الجراكسة يتزيوا بزي العثمانية، ويخرجون إلى الطرقات. ويخطفون عمائم الناس، وما يلوح لهم من البضائع وغيرها من حجة العثمانية. فنادى خاير بك تلك المناداة حتى تمتاز الجراكسة من العثمانية، ولم يفد ذلك شيئا.

وفي يوم الاثنين تاسع عشرة خرج الشهابي أحمد بن الجيعان نائب كاتب السر، ومصلح الدين خازندار ابن عثمان، وصحبتهما كسوة الكعبة الشريفة وهي محزومة محملة على الجمال، وأشيع أنهما يتوجهان بها من البحر المالح إلى جدة إلى مكة المشرفة، فكان لهما في القاهرة موكب حافل، وكان ذلك اليوم مشهودا، وخرج صحبتهما ألفا عثماني وقدامهم طبلان وزمران ورماة بالنفط وركب قدامهما الأمير قايتباي الدوادر الكبير، وأعيان المباشرين، فلما خرجوا من القاهرة رجت لهم مصر فخرجوا من باب النصر وتوجهوا إلى الوطاق بالريدانية.

وفي ذلك اليوم ثارت جماعة من العثمانية على الزيني بركات بن موسى المحتسب، بسبب الفلوس الجدد، فإن ابن عثمان ضرب فلوسا جددا وجعل فيها اسمه، ورسم للسوقة ونادى لهم بأن يصرف كل ستة عشر جديدا بنصف فضه معاددة. وكانت هذه الفلوس في غاية الخفة، فحصل للناس الضرر الشامل بسبب ذلك، ووقف حالهم وغلقت الدكاكين. فلما جرى ذلك نادى الزيني بركات بن موسى بأن النصف الفضة يصرف بأربعة وعشرين جديدا، ليعرف الدرهم الفلوس من الدرهمين في المعاملة، فثارت العثمانية على ابن موسى وقالوا له: "هل مات السلطان سليم شاه بن معثمان، حتى تبطل من مصر معاملته؟ " وهموا بضربه فنادى في ذلك اليوم بأن كل شيء على حاله من الفلوس، كل ستة عشر جديدا

<<  <  ج: ص:  >  >>