والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شيء أحسنه، مما لم يفرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا وكذلك ما غنمه وزراؤه من الأموال الجزيلة، وكذلك عسكره، فإنهم غنموا من النهب ما لا تحصى. وصار أقل ما فيهم أعظم من أمير مائة ومقدم ألف، مما غنمه من مال وسلاح وخيول وغير ذلك … فما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس في غاية البلية.
وفي مدة إقامة ابن عثمان بالقاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل، وبطل منها نحو خمسين صنعة، وتعطلت منها أصحابها، ولم يعمل بها في أيامه بمصر. وكانت مدة إقامة ابن عثمان بمصر ثمانية أشهر إلا أياما قلائل. ومدة استيلائه على مصر والبلاد الشامية والحلبية من حين قتل الغوري، واستيلائه على حلب إلى خروجه من مصر، سنة وشهر واحد. وهو ملك من الفرات إلى مصر إلى الشام، ويخطب فيها باسمه، وكذلك السكة على الذهب والفضة باسمه، وكذلك ما حول العراقين، وقد وعده الله بذلك.
وفي مدة إقامة ابن عثمان بمصر لم يجلس بقلعة الجبل على سرير الملك جلوسا عاما، ولا رآه أحد، ولا أنصف مظلوما من ظالم (١) بل كان مشغوفا بلدته وسكره وإقامته في المقياس بين الصبيان المرد، ويجعل الكم لوزرائه بما يختارون. فكان ابن عثمان لا يظهر إلا عند سفك دماء الجراكسة، وما كان له أمان إذا أعطاه أحد من الناس، وليس له قول ولا فعل، وكلامه ناقض ومنقوض لا يثبت على قول واحد كقول الملوك وعادتهم في أفعالهم، وليس له سماط يعرف ولا نظام كعادة السلاطين في سماطهم كانت تجلس عليه الخاصكية في كل يوم.
وأما عسكره فكانوا جميعا عيونهم دنية، ونفوسهم قذرة، يأكلون وهم راكبون على خيولهم في الأسواق، وعندهم عفاشة في أنفسهم زائدة وقلة دين، يتجاهرون بشرب الخمر في الأسواق بين الناس. ولما جاءهم شهر رمضان كان غالبهم لا يصوم ولا يصلي في الجامع، ولا صلاة الجمعة إلا قليلا منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة، وليس لهم نظام يعرف لا هم ولا أمراؤهم ولا وزراؤهم، وهم همج كالبهائم.
ولما خرج ابن عثمان من مصر، رسم لابن السلطان الغوري بأن يسافر معه فبرز سنيحه، وخرج وسافر صحبته. وأشيع أن جان بردي الغزالي لما خرج مع ابن عثمان كان وعده بنيابة الشام، بل قيل: إنه ولاه نيابة طرابلس ونيابة صقد ونيابة غزة ونيابة