للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم الخميس ثالث عشري شعبان خرج وتوجه إلى السفر سلطان مصر الملك المظفر سليم شاه بن عثمان، فخرج من بيت السلطان قايتباي الذي خلف حمام الفارقاني، وشق من الصليبة وطلع إلى الرميلة، فخرج في موكب حافل، وقدامه ملك الأمراء خاير بك نائب حلب، وجان بردي الغزالي نائب الشام، وقدام العسكر طبلان وزمران وعدة جنائب حربية. وكان راكبا على بغله صفراء عالية - قيل إنها من بغال السلطان الغوري كان يركبها في الأسفار - وكان عليه قفطان مخمل أحمر، وقدامه جماعة من الوزراء، منهم يونس باشا والدفتردار وبقية الوزراء والأمراء والجم الكثير من عساكره ما بين مشاة وركاب. فطلع من جهة الصور، ونزل من جهة تربة الأشرف قايتباي، ووقف هناك وقرأ سورة الفاتحة وأهداها إليه. وكان قدامه جماعة كثيرة من الرماة بالنفوط المرعبة. ثم شق من بين الترب إلى تربة العادل التي بالفضاء، واستمر على ذلك حتى نزل بالوطاق الذي نصبه ببركة الحاج. ولو شق من القاهرة لكان يوما مشهودا، ولكن خرج على حين غفلة فلم يشعر به أحد من الناس.

ولما خرج من بين الترب قسم عسكره فرقتين: فرقة مرت من تحت الجبل الأحمر، وفرقة من تربة العادل، ثم تلاقوا على بركة الحاج. ولما وصل إلى الوطاق لم ينزل به وتوجه على ظهر الخانقاه فنزل هناك.

ثم إن ابن عثمان لما رحل من مصر ترك بها من عسكره، ممن يقيم بالقاهرة عند خاير بك، نحو خمسة آلاف فارس، ومن الرماة بالبندق الرصاص نحو خمسمائة رام.

وقرر من أمرائه شخصا يقال له خير الدين باشا، وجعله نائب القلعة، يقيم بها ولا ينزل إلى المدينة.

ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين في سائر البلاد قاطبة لأنه خادم الحرمين الشريفين، وحاوي ملك مصر الذي افتخر به فرعون اللعين حيث قال: "أليس لي ملك مصر". وقد تباهي بملك مصر على سائر ممالك الدنيا، ولكن ابن عثمان هتك حريم مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها، وقتل أبطالها، ويتم أطفالها، وأسر رجالها، وبدد أحوالها، وأظهر أهوالها فلم يدخل إليها أحد من الحوارج، ولا ملكها قط أحد، ولا جرى مثل ما جرى عليها من ابن عثمان إلا أن كان في زمن يختنصر البابلي، فقد جرى عليها من ابن عثمان بعض ما جرى عليها من بحتنصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر ومعه ألف جمل محملة، ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عما عنمه من التحف والسلاح والصيني والنحاس والمكفت والخيول والبغال

<<  <  ج: ص:  >  >>