بالنفط، فطلع من جهة سوق مرجوش، وشق من القاهرة، فجعل يسلم على الناس بطول الطريق، حتى وصل إلى باب زويلة وهو لا يدري ما يفعل به.
فلما أتوا إلى باب زويلة، أنزلوه عن فرسه وأرخوا له الحبال، ووقفت حوله العثمانية بالسيوف مسلولة. فلما تحقق أنه يشنق وقف على أقدامه على باب زويلة، وقال للناس الذين حوله: اقرأوا لي الفاتحة ثلاث مرات. ثم بسط يده وقرأ الفاتحة ثلاث مرات، وقرأت الناس معه، ثم قال للمشاعلي: اعمل شغلك.
فلما وضع الخية في رقبته ورفعوا الحبل، انقطع به فسقط على عتبة باب زويلة، وقيل: انقطع به الحبل مرتين، وهو يقع على الأرض ثم يعلقونه وهو مكشوف الرأس، وعلى جسده شاياه جوخ أحمر، وفوقها ملوطة بيضاء بأكمام كبار، وفي رجليه لباس من جوخ أزرق … فلما شنق وطلعت روحه، صرخت عليه الناس صرخة عظيمة، وكثر عليه الحزن والأسف. فإنه كان شابا حسن الشكل، كريم الأخلاق، سنه نحو أربع وأربعين سنة.
وكان شجاعا بطلا تصدى لقتال ابن عثمان، وثبت وقت الحرب بنفسه، وفتك في عسكر ابن عثمان، وقتل منهم ما لا يحصى، وكسرهم ثلاث مرات، وهو في نفر قليل من عسكره. ووقع منه في الحرب أمور لم تقع من الأبطال العناترة.
وكان لما سافر عمه السلطان الغوري، جعله نائب الغيبة عنه إلى أن يحضر من حلب، فساس الناس في غيبة السلطان أحسن سياسة، وكانت الناس عنه راضية في غيبة السلطان، وكانت القاهرة في تلك الأيام في غاية الأمن من المناسر والحريق وغير ذلك.
لما مات السلطان الغوري عمه، وتسلطن عوضه، أبطل من المظالم أشياء كثيرة مما كان يعلم في أيام الغوري، ولم يشوش على أحد من المباشرين في مدة سلطنته.
ولما وصل ابن عثمان إلى الشام وقصد أن يخرج إليه، قيل له: أن الخزائن خالية من الأموال. فقال له الأمراء وجماعة المباشرين:"افعل كما فعل السلطان العوري، وخذ أجرة الأماكن التي بالقاهرة سبعة أشهر، وخذ من الرزق والأقطاعات خراج سنة". فلم يسمع لهم شيئا وأبى من ذلك، وقال:"ما أجعل هذا مسطرا في صحيفتي".
وكان ملكا جليلا قليل الأذى، كثير الخير، وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية ثلاث أشهر وأربعة عشر يوما، فإنه تسلطن رابع عشر رمضان، وانكسر وهرب تاسع عشري ذي الحجة.
وكان في هذه المدة في غاية التعب والنكد، وقاسي شدائد ومحنا، وحروبا وشرورا وهجاجا … وتشتت في البلدان، وآخر الأمر شنق على باب زويلة. وأقام ثلاثة أيام وهو معلق حتى فاحت رائحته.