فلما استقر عندهما احتاطت به العربان من كل جانب وهو لا يدري بما به المقادير تجري ثم إنهما أرسلا إلى السلطان سليم شاه أعلماه به، فأرسل إليه جماعة من عسكره فقبضوا عليه، ووضعوه في الحديد، وتوجهوا به إلى ابن عثمان، ولما رأى من كان مع السلطان طومان باي من الأمراء والعسكر أنهم قبضوا عليه، تفرقوا من حوله، وتشتتوا في البلاد. وتمت الحيلة على السلطان طومان باي، وخانه حسن بن مرعى بعد أن حلفه على المصحف الشريف وركن إليه.
وكان حسن بن مرعى من أعز أصحاب السلطان طومان باي، وله عليه غاية الفضل والمساعدة من أيام السلطان الغوري، وقام بما عليه من المال مرارا، فلم يذكر له من هذه الأخلاق شيئا ولا أثمر فيه الخير. فكان كما قيل في المعنى:
لا تركنن إلى الخريف فماؤه … مستوخم وهواؤه خطاف
يمشي مع الأجسام مشى صديقها … ومن الصديق على الصديق يخاف
فلما أحضروا السلطان طومان باي بين يدي ابن عثمان وهو لابس مثل لبس العرب الهوارة، وعلى رأسه زنط، وعليه شاش، وعلى بدنه ملوطة بأكمام طوال. فلما وقعت عين ابن عثمان عليه قام له ثم عاتبه ببعض كلمات، فلما خرجوا به من قدامة توجهوا به إلى خيمة من الخيام، فأقام بها، واحتاطت به الإنكشارية بالسيوف لأجل الحفظ به فأقام هناك أياما وهو بوطاق ابن عثمان ببر أنبابة.
وفيه وردت الأخبار إلى القاهرة بمسك السلطان طومان باي، فصارت طائفة من الناس تكذب بمسكه، وطائفة تصدق ذلك. فأقام السلطان طومان باي في الوطاق عند ابن عثمان، وهو في الحديد إلى يوم الاثنين حادي عشري ربيعا لأول من تلك السنة. وكان ذلك اليوم يوم الخماسين، وهو يوم فطر النصارى وعيدهم الأكبر. فعدوا بالسلطان طومان باي من بر أنبابة إلى بولاق، وطلعوا به من هناك وهو راكب على أكديش، وهو في الحديد، وعليه لبس العرب الهوارة كما تقدم. وكانت مدة إقامته في الوطاق على تلك الحالة نحو سبعة عشر يوما. وأشيع أن ابن عثمان قصد أن يرسل طومان باي إلى مكة ولا يقتله، ثم بدا له بعد ذلك ما سنذكره.
فلما علم ابن عثمان أن الناس لا تصدق بمسك طومان باي، حنق من ذلك وعدى به إلى بولاق، فلما طلع إلى بولاق وشق من المقس، كان قدامة نحو أربعمائة عثماني ورماة