ويقال أن سبب قتله أن أخاه أبا بكر كان عنده عترسة وملوحة رقبة، فلهذا سماه الناس الموتر، فزعموا أنه غمز على شخص من المماليك الجراكسة ان مختفيا في مكان، فدل العثمانية عليه، فهجموا على ذلك المملوك وقطعوا رأسه.
فلما سافر قاضي القضاة محمود بن الشحنة إلى السلطان طومان باي بسبب الأمان الذي أرسله إليه ابن عثمان، سافر أبو بكر صحبة أخيه محمود إلى البهنسا، فثارت الجراكسة على جماعة ابن عثمان فقتلوهم هناك، فكان للملوك الذي قتل أخ هناك فغمزه بعض المماليك على أبي بكر وقالوا له: هذا الذي غمز على أخيك حتى قطعوا رأسه فوثب ذلك المملوك على أبي بكر وقطع رأسه هناك. فتعصب له أخوه محمود بن الشحنة، فوثبوا عليه فقطعوا رأسه أيضا، ودفنا هناك.
هذا ما أشيع واستفاض بين الناس من أمرهما. ولما انتصر ابن عثمان على عسكر مصر أقام في بر الجيزة أياما، وسار من هناك وتفرج على الأهرام وتعجب من بنائها.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرة نادوا في القاهرة بأبطال الفلوس العتق، وضربوا للناس فلوسا جددا كل اثنين بدرهم، وعليها اسم سليم شاه، وكانت في غاية الحفة، فتضرر الناس منها إلى الغاية.
وفي أثناء هذا الشهر كانت وفاة صاحبنا الناصري محمد الأشقر شيخ الشيوخ بحنقاه سرياقوس وكان أصيلا عريقا من ذوي البيوت. وكان والده القاضي محب الدين الأشقر ولي نظارة الجيش، وكتابة السر بالديار المصرية. وكان من أعيان الرؤساء رحمة الله عليه، مات وله من العمر فوق الثمانين سنة، وكان عنده لين جاب مع تواضع زائد، وكان أسمر اللون جدا، وكانت أمه جارية حبشية مستولدة الأشقر.
ومن هنا نرجع إلى أخبار السلطان طومان باي فإنه لما تلاقى مع عسكر ابن عثمان على النوات وقيل بوردان، انكسر عسكر السلطان طومان كما تقدم القول على ذلك، فتوجه طومان باي إلى نحو تروجة بالعربية منهزما، فلاقاه حسن ابن مرعي وشكر ابن أخيه مشايخ البحيرة في ضيعة تسمى البوطة، فعزما على السلطان طومان باي ليضيفاه.
وكان حسن بن مرعي بينه وبين السلطان طومان باي صداقة قديمة، فركن له السلطان طومان باي ونزل عنده على سبيل الضيافة.
ثم أن السلطان طومان باي أحضر إلى حسن بن مرعي وشكر مصحفا شريفا وحلفهما عليه أنهما لا يخونانه، ولا يغدران به، ولا يدلسان عليه بشيء من الأشياء، ولا بسبب من أسباب المسك، ولا يدلان عليه. فحلفا له على المصحف سبع أيمان بمعنى ذلك، فطاب قلب السلطان طومان باي عند ذلك ونزل عندهما.