وشقوا بتلك الرؤوس من البحر إلى باب القنطرة، وطلعوا بهم على سوق مرجوش، وشقوا بهم من القاهرة، وكان لهم يوم مشهود وقيل: كان عدة الرؤوس الذين قتلوا في هذه الواقعة ودخلوا القاهرة نحو ثمانمائة رأس ما بني أتراك وعربان وغير ذلك، والذين قتلوا هناك وألقوهم في البحر أكثر من ذلك.
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول، كانت ليلة المولد النبوي، فلم يشعر به أحد من الناس. وبطل ما كان يعمل في ليلة المولد من اجتماع العلماء والقضاة الأربعة والأمراء بالحوش السلطاني، والأسمطة التي كانت تعمل في ذلك اليوم، وما كان يعطي للمقرئين والفقراء من الشقق والأنعام في تلك الليلة، فبطل ذلك جميعه.
وأشيع أن ابن عثمان لما طلع إلى القلعة وعرضت عليه الحواصل التي بها رأى خيمة المولد فباعها للمغاربة بأربعمائة دينار، فقطعوها قطعا وباعوها للناس ستائر وسفر.
وكانت هذه الخيمة من جملة عجائب الدنيا لم يعمل مثلها قط. قيل: إن مصروفها على الأشرف قايتباي ثلاثون ألف دينار، وقيل: أكثر من ذلك، وكانت غاية في التجمل حين تنصب ليلة المولد الشريف. وكانت كهيئة قاعة، ولها أربعة لواوين، وفوقها قبة بقمريات، والكل من قماش. وكان فيها تقاصيص غريبة، وفصوص غريبة، وصنائع لا يعمل الأن مثلها أبدا، وكانت إذا نصبت أيام المولد يحضرون بجماعة من النواتية نحو خمسمائة إنسان حتى ينصبوها في الحوش السلطاني، وكانت من جملة شعائر المملكة السلطانية بالقاهرة، فابتيعت بأبخس الأثمان، ولم يعرف ابن عثمان قيمتها، وفقدتها الملوك من ذلك الوقت، وهذه من جملة مساوية التي فعلها بمصر.
وفيه أشيع أن السلطان سليم شاه لما بلغه أن الدفتر دار رسم على نساء الأمراء الذي قتلوا، أنكر على الدفتر دار ذلك، وأمر بإطلاقهن من الترسيم، وأمر ألا يأخذ أحد منهن شيئا ويترك لهن ما تأخر عليهن من المال … فارتفعت له الأصوات بالدعاء، ولم يظهر لهذا الكلام نتيجة فيما بعد، واستمرت المصادرات عمالة كما كانت بل ازدادت أضعافا.
وفيه جاءت الأخبار من البهنسا بأن قاضي القضاة الحنفي حسام الدين محمود ابن قاضي القضاة عبد البر بن الشحنة قد قتل هو وأخوة أبو بكر. وكان السلطان سليم شاه أرسله مع القضاة الثلاثة إلى السلطان طومان باي بالبهسا، لما أرسل يطلب من ابن عثمان الأمان. فكتب له أمانا وصورة خلف، وأرسله على يد قاضي القضاة، وأرسل صحبتهم أميرا من أمرائه، وجماعة من العثمانية. فلما وصلوا هناك لم يوافق السلطان طومان باي على الصلح، ولم يمكنه الأمراء من ذلك، وثاروا على جماعة ابن عثمان وقتلوهم عن آخرهم وقتلوا عبد السلام قاضي البهنسا. وقتلوا قاضي القضاة محمود بن الشحنة.