فإن معي ثلاثين أميرا ما بين مقدمي ألف وأربعينيات وعشراوات، ومعي من المماليك السلطانية والعربان نحو عشرين ألفا، وما أنا بعاجز عن قتالك، ولكن الصلح أصلح لصون دماء المسلمين".
ثم في عقب ذلك توجهت القضاة الأربعة، وبردبك داوادار الخليفة، إلى السلطان طومان باي نحو الصعيد.
وفي هذه الأيام قويت الإشاعات بأن السلطان طومان باي جمع من العساكر والعربان ما لا يحصى عددهم وهو زاحف على ابن عثمان في بر الجيزة. فكثر القيل والقال، ووقع الاضطراب في القاهرة بسبب ذلك.
ثم أشيع أن الأمير علان بن قراجا الدوادار الكبير قد توفي بالصعيد ودفن في بعض الضياع هناك وصلى عليه السلطان طومان باي والأمراء الذين كانوا هناك. وكان الأمير علان جرح في الواقعة التي كانت بالريدانية، واستمر عليلا من ذلك الوقت حتى مات هناك، وكان من فحول الأمراء وأشجعهم والله غالب على أمره.
وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر تزايد فساد العربان بالشرقية، وصاروا يقطعون الطريق على العثمانية ويقتلونهم ويأخذون خيولهم وجمالهم وسلاحهم، ونهبوا بلاد عبد الدائم بن أبي الشوارب وأحرقوها، ونهبوا عدة بلاد من الشرقية، منها قليوب وقلقشنده، وغير ذلك من البلاد، ووصلوا إلى شبري، وصاروا يعدون من شبري إلى قنطرة الحاجب. فلما تزايد الأمر أرسل إليهم السلطان سليم شاه تجريدة فيها من العسكر نحو ألف وخمسمائة عثماني، وجعل عليهم جان بردي الغزالي باشا، فخرجوا من القاهرة على حمية وتوجهوا إلى الشرقية فأقاموا بها أياما، فذهبت العربان من وجوههم وصعدوا إلى الجبال فرجع العسكر ولم يلاقوهم.
وفي أثناء هذا الشهر وردت الأخبار من الصعيد بأن القضاة الأربعة وبردبك دوادار الخليفة، وقاصد بن عثمان مصلح الدين الذي كان أرسله معهم، وجماعة من العثمانيين، وصلوا إلى قريب البهنسا، فخرج عليهم جماعة من الجراكسة فقتلوا العثمانية، وهرب بردبك دوادار الخليفة حتى نجا من القتل، ونهب جميع ما معه من القماش، وغيره. وأشيع قتل قاضي البهنسا عبد السلام، ونهبوا ما كان مع القضاة من البرك، وما سلموا من القتل إلا بعد جهد كبير.
فلما بلغ ابن عثمان ذلك اغتاظ غيظا شديدا وتحقق أن السلطان طومان باي قد أبى الصلح بعد أن أرسل يطلب الأمان، ثم أن ابن عثمان نقل وطاقه من الجزيرة الوسطى إلى بركة الحبس.