للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه قرر السلطان سليم شاه جماعة من أمرائه في الولايات على بعض البلاد، منهم نائب غزة، ومنهم كاشف المحلة والشرقية والغربية، فولى عدة كشاف في أماكن مختلفة من البلاد.

وفي يوم الخميس عشري المحرم، نادى السلطان سليم شاه في الصليبة وقناطر السباع بأن أصحاب الأملاك الذين في الصليبة وجامع ابن طولون يخلون بيوتهم، فإن السلطان سليم شاه طالع إلى القلعة ليقيم بها، وصار يكرر المناداة في كل يوم بذلك، فأخلى الناس بيوتهم.

فلما طلع إلى القلعة نادي للناس بالأمان والاطمئنان، وكيف الأمان وقد خرجت الناس من بيوتهم على وجوههم في أسوأ الأحوال، وانطلقت في قبلوبهم جمرة نار، وهجمت الطوائف العثمانية على الناس في بيوتهم، وأخرجوهم منها وسكنوا بها، حتى صارت الحارات والأزقة ما تنشق منهم، وصاروا كالجراد المنتشر من كثرتهم، من الصليبة إلى جامع قوصون إلى قناطر السباع إلى داخل باب زويلة، وما خلا منهم موضع في المدينة.

وصارت الناس تسد أبوابها وتضيقها مثل الحوخ حتى لا تدخل فيها الخيول، ولم يفد ذلك شيئا، وهدموا ما بنوه وسكنوا بها.

ثم أن السلطان سليم شاه طلع إلى القلعة في موكب حافل رجت له القاهرة، وكان معه المماليك الذين طلعوا بالأمان، وقيدوهم وأودعوهم في الوكالة التي خلف مدرسة السلطان الغوري.

وفي أوائل هذه السنة كانت وفاة الشيخ الإمام العالم العلامة برهان الدين إبراهيم بن أبي شريف المقدسي الشافعي، كان عالما فاضلا في مذهبه، بارعا في العلوم، ورعا زاهدا … ولي قضاء الشافعية في أيام السلطان الغوري، فأقام بها مدة وعزل عنها، ثم قرره الغوري في مشيخة مدرسته، وقاس في أواخر عمره شدائد ومحنا من السلطان الغوري وأقام مدة طويلة وهو عليل، حتى مات، وعاش من العمر فوق الثمانين سنة. ولما أن مرض ثارت الحروب والفتن وتكاثرت الأهوال على الناس بمصر، فمات ولم يشعر بموته أحد من الناس، رحمة الله عليه.

وتوفي أيضا البدري حسن بن الطولوني معلم المعلمين كان، وكان رئيسا حشما من أعيان أولاد الناس، وكف بصره قبل موته بمدة طويلة، وكان أنشأ له تاريخا لضبط الوقائع، وكان علامة في كل فن، رحمة الله عليه.

وفي يوم الثلاثاء خامس عشري المحرم، خلع السلطان على الشرفي يونس الإستادار قفطانا من المحمل بالذهب، وجعله متحدثا على جهات بلاد الشرقية، ليمسح البلاد ويكشف ما فيها من إقطاعات المماليك الجراكسة وغير ذلك من الرزق والأوقاف. فأخذ قوائم من

<<  <  ج: ص:  >  >>