مصر في نفوذ الكلمة، وظهور العظمة في تلك الأيام، ودخل عليه من الناس أموال وتقادم عظيمة لم تصل لآبائه ولا أجداده، وصارت الستات والخوندات مرمية في دهاليز بيته لا يلتفت إليهن، وصارت خوند ابنة الأمير أقبردي الدوادار زوجة السلطان طومان باي مقيمة في بيته، وقد قرر عليها السلطان سليم شاه مالا جزيلا تورده إلى الديوان، فلا زال الخليفة يتلطف بالسلطان سليم شاه حتى حط عنها جانبا من المال الذي قرره عليها. وحصل له من الستات والخوندات خدم جزيلة. فطاش الخليفة في تلك الأيام إلى الغاية، وظن أن هذا الحال يتم له، وما علم أن القبان بآخره. كما قيل في المعنى:
أمور تضك السفهاء منها … ويبكي من عواقبها اللبيب
ومن الحوادث أن أولاد الزنكلوني الذين جرى لهم مع السلطان الغوري ما جرى، ومات أبوهم تحت الضرب، وابن نور الدين المشالي الذي شنقه الغوري - كما تقدم ذكره - لما تغيرت الدول ودخل ابن عثمان إلى القاهرة، ونادى من كانت له ظلامة يرفع أمره إلى السلطان سليم، ثار أولاد الزنكلوني وابن نور الدين المشالي على القاضي شمس الدين وحيش، وقالوا له أنت كنت سببا لشنق نور الدين المشالي، وضرب الزنكلوني. وقصدوا أن يمضوا به إلى ابن عثمان ليقطع رأسه، فترامى على الخليفة في عمل المصلحة بينه وبين أولاد الزنكلوني وابن المشالي، فتكلم الخليفة بينهم على أن ابن وحيش يدفع إلى أولاد الزنكلوني ثلثمائة دينار، ولابن المشالي مائتي دينار، فأبوا من ذلك، واستمرت دعوتهم باقية على شمس الدين بن وحيش إلى أن يعرضوا ذلك على ابن عثمان.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم، نادى السلطان سليم شاه بعد العصر في القاهرة بأن الأمراء المقدمين والأمراء الأربعينيات والأمراء العشراوات الذين اختفوا بعد الواقعة يظهرون وعليهم أمان الله تعالى.
وقيل إن السلطان سليم شاه كتب للأمراء عهدا وأمانا في ورقة طويلة وعلقها المنادي على جريدة، ونادى أيضا بأن الأمراء المختفين يظهرون ويتوجهون إلى مدرسة السلطان الغوري وعليهم الأمان. فظهر الأمير أركماس أمير سلاح، والأمير أنص باي أمير آخور كبير، والأمير تمر الحسني رأس نوبة النوب، والأمير طقطباي حاجب الحجاب، والأمير تاني بك الخازندار أحد المقدمين، والأمير تاني بك النجمي أحد المقدمين، والأمير قانصوه أبو سنة أحد المقدمين.