للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبرني من أثق به أنه شاهد جثة الأمير قانصوه رجله أحد الأمراء المقدمين الذين كان نائب قطيا وهي مرمية قدام سبيل السلطان، والكلاب تنهش في مصارينه وشحم بطنه، فإنه كان رجلا جسيما.

وقتل في هذه الواقعة الأمير بخشباي الذي كان قرره السلطان طومان باي أمير مجلس كما تقدم، وقتل آخرون من الأمراء الطبلخانات والعشراوات والخاصكية وغير ذلك، وصارت الجثث مرمية في الرميلة إلى سوق الخيل، ثم إلى الحيميين، وقد تناهشت الكلاب أجسادهم.

ولم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه قط. إلا ما كان في زمن بختنصر البابلي لما أتى من بابل وزحف على البلاد بعسكره وخربها وهدم بيت المقدس. ثم دخل مصر وخربها عن آخرها، وقتل من أهلها مائة ألف ألف إنسان، حتى أقامت مصر أربعين سنة وهي خراب، ليس بها ديار ولا نافخ نار. فكان النيل يعلو ويهبط فلا يجد من يزرع عليه الأراضي ولا ينتفع به. لكن هذه الواقعة لها نحو ألفي سنة وهي قبل ظهور عيسى ابن مريم .

ثم وقع مثل ذلك في بغداد في فتنة هولاكو، وهو المعروف بتتار، لما زحف على بغداد وخربها وأحرق بيوتها، وقتل الخليفة المستعصم بالله، واستمرت من بعد ذلك خرابا إلى الآن، فوقع لأهل مصر ما يقرب من ذلك، وما زالت الأيام تبدى العجائب.

فلما هرب السلطان طومان باي وقتل من قتل من الأمراء والعسكر، رجع السلطان سليم شاه إلى وطاقه الذي في الجزيرة الوسطى، ونصب في وطاقه صنجقين أحدهما أبيض والآخر أحمر، وذلك إشارة عندهم لرفع السيف عن أهل المدينة. هكذا عادتهم في بلادهم إذا ملكوا مدينة وفتحوها بالسيف عنوة.

وفي هذا الشهر توفي الشيخ شهاب الدين القسطلاني، وكان علامة في الحديث، وله شهرة طائلة بين الناس، وكان لا بأس به.

وفي تلك الأيام صار الخليفة المتوكل على الله هو صاحب الحل والعقد، والأمر والنهي بالديار المصرية. وصارت أولاد السلاطين جالسة في دهلز بيته لا يعبأ بهم، مثل المقر العلائي علي بن المؤيد أحمد، وابن الظاهر خشقد، وأولاد الملك المنصور عثمان، وغير ذلك من أولاد الأمراء، وأعيان الناس من الرؤساء والمباشرين، وجماعة من الأمراء مثل قاني بك رأس نوبة ثاني، وسنبل مقدم المماليك، وغير ذلك من الأمراء، في دهاليز بيته لم يلتفت إليهم، وصار رنكه مضروبا على غالب البيوت. وكانت مراسلته ماشية في المدينة لا ترد، وشفاعته كافية في كل أمر اشتد. وصار هو في مقام سلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>