للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما ظهر له الغلت هرب وتوجه إلى نحو بركة الحبش، وكان قليل الحظ غير مسعود الحركات في أفعاله كما قيل في المعنى:

قليل الحظ ليس له دواء … ولو كان المسيح له طبيب

وهذه رابع كسرة وقعت لعسكر مصر مع ابن عثمان، وقد غلت أيديهم عن القتال حتى نفذ القضاء والقدر، وكان ذلك في الكتاب مسطورا.

ولما هرب السلطان طومان باي وقعت في القاهرة المصيبة العظمي التي لم يسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، وهو أنه لما هرب السلطان طومان باي صبيحة يوم السبت ثامن المحرم. طفشت العثمانية في الصليبة وأحرقوا جامع شيحو، فاحترق سقف الإيوان الكبير والقبة التي كانت به … فعلوا ذلك لكونه كان به وقت الحرب كما تقدم، وأحرقوا البيوت التي حوله في درب ابن عزيز. ثم قبضوا على الشرفي يحيى بن العداس خطيب الجامع، واحضروه بين يدي سليم شاه ابن عثمان، فهم بضرب عنقه، فلما بلغ الخليفة ذلك، ركب وأتى إلى ابن عثمان، وشفع في ابن العداس، وخلصه من القتل، ولولا أنه كان في أجله فسحة لضربوا عنقه في الحال، وقاسى شدة من الطربة.

ثم أن العثمانية طفشت في جميع الحارات والأماكن، وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام من الزعر وغيرهم، ولعبوا فيهم بالسيف، وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا ذنب له. فصارت جثثهم مرمية في الطرقات من باب زويلة إلى الرميلة، ومن الرميلة إلى الصليبة إلى قناطر السباع، إلى الناصرية إلى مصر العتيقة. فكان مقدار من قتل في هذه الواقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى إلى الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان، في مدة هذه الأربعة الأيام، ولولا لطف الله تعالى لفني أهل مصر قاطبة بالسيف.

ثم أن العثمانية صارت تكس على المماليك الجراكسة في البيوت والحارات، فمن وجدوه منهم ضربوا عنقه، وكذلك الجوامع الكبار، والمدارس والزوايا. فهجموا على الجامع الأزهر، وجامع الحاكم، وجامع ابن طولون، وغيرها، وقتلوا من وجدوه من المماليك الجراكسة فيها. فقيل قبضوا على نحو ثمانمائة مملوك ما بين أمراء عشراوات وخاصكية، ومماليك سلطانية، فضربوا رقابهم أجمعين بين يدي السلطان سليم.

وقيل إن المشاعلي الذي كان هناك افرنجي، وقيل يهودي من الروم. وكان إذا ضرب عنق أحد من الجراكسة يعزلها وحدها، ويعزل رؤوس الغلمان والعربان وحدها، ثم ينصب الحبال على الصواري ويعلق عليها تلك الرؤوس في الوطاق الذي بالجزيرة الوسطى. وكان المشاعلي إذا حز رأس المماليك يرمي جثثهم في البحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>