المماليك الجراكسة إلا القليل، وصاروا يختفون في الاصطبلات والزوايا خوفا من القتال، وقد دخل الرعب في قلوبهم من العثمانية فما بقى يخرج منها.
ثم إن طائفة من العثمانية توجهوا من جهة مصر العتيقة، وطلعوا من جهة باب القرافة، وملكوا من باب القرافة إلى مشهد السيدة نفيسة ﵂، فدخلوا إلى ضريحها، وداسوا على قبرها، وأخذوا قناديلها الفضة والشمع الذي كانت عند قبرها، وبسط الزاوية، وأخذوا من مقامها شيئا كثيرا، وقتلوا أيضا في مقامها مماليك جراكسة وغير ذلك من الناس الذي كانوا جتمعوا بها حين هربوا من المعركة.
ثم أن السلطان قصد أن يهدم قناطر السباع، فهدم من عقدها بعض شيء. ثم أن الأتراك سجنوا جماعة من العثمانية، فهربوا وطلعوا إلى مآذن الجوامع. فطلعوا مئذنة المؤيد، وصاروا يرمون الناس بالبندق والرصاص، ويمنعونهم من الدخول إلى باب زويلة، واستمروا على ذلك حتى طلع الهم الأتراك وقتلوهم في المئذنة شر قتلة.
ثم صارت القتلى من الأتراك والعثمانية أجسادهم مرمية من بولاق إلى قناطر السباع، وإلى الرميلة وإلى تحت القلعة، وفي الحارات والأزقة، وهم أبدان بلا رؤوس.
هذا والعربان واقفة عند قنطرة الحاجب يعرون الناس، ويأخذون أثوابهم، ويقتلونهم ويقتلون كل من يلوح لهم من العثمانية، وغيرهم، ولولا لطف الله تعالى لهجموا على الناس في القاهرة، ونهبوا أسواقها ودورها.
ثم أن السلطان طومان باي نادي في القاهرة أن كل من أمسك أحدا من العثمانية، وطلب منه الأمان لا يقتله ويأتي به حيا.
ومن العجائب في هذه الواقعة، أن السلطان طومان باي لما ظهر في هذه المرة بعد انهزامه في الريدانية، خطب باسمه في القاهرة، وكان في الجمعة الماضية خطب باسم سليم شاه بن عثمان فكان كما يقال في المعنى:
لا تيأسن من فرج ولطف … وقوة تظهر بعد ضعف
فاستمر السلطان طومان باي يرتفع أمره مع عسكر ابن عثمان، ويقتل منهم في كل يوم ما لا يحصى من يوم الأربعاء إلى طلوع شمس يوم السبت ثامن المحرم، فتكاسل العسكر عن القتال، واختفوا في بيوتهم، وتفرقت الأمراء عنه كل واحد في ناحية، واستمر السلطان طومان باي يقاتل في عسكر ابن عثمان وحده في نفر قليل من العبيد الرماة وبعض مماليك سلطانية وبعض أمراء، كالأمير شاد بك الأعور، وآخرين من الأمراء العشراوات.