وأشيع أن بعض الأمراء قال للسلطان: اعمل كما عمل الأشرف قايتباي والسلطان الغوري، وخذ من الأملاك والأوقاف والرزق والإقطاعات لتستعين بذلك على النفقة بسبب دفع العدو عن مصر. فلم يوافق السلطان على ذلك، وقال: ما أحدث في أيامي مظلمة أبدا.
فشكره الناس على ذلك، ودعوا له. ولو فعل ذلك جاز وقالوا يغدر لأجل دفع العدو. وما ثم في الخزائن مال ولكن وفقه الله تعالى إلى فعل الخير، وسطر أجر ذلك في صيحقته إلى يوم القيامة، فكان كما قيل في المعنى:
للخير أهل لا تزا … ل وجوهه تدعو إليه
طوبى لمن جرت الأمو … ر الصالحات على يديه
وفي هذا اليوم أشيع أن السلطان أرسل يقول لأولاد الملك المؤيد، وأولاد الملك المنصور، وأولاد الأمراء الذين بمصر، اعملوا برفكم واخرجوا للسفر، والذي لا يسافر منكم يقيم له بديلا عوضا عنه للسفر.
وقيل وزع على جماعة من المباشرين والخدام من الطواشية مالا له صورة مساعدة لسلطان على النفقة. وشرع السلطان في بيع قماش وسلاح وتحف وذخائر وصوف وسمور وبعلبكي وغير ذلك من الأصناف، وأخذ من ابن السلطان الغوري مالا له صورة مساعدة على النفقة.
وفي ذلك اليوم أشيع أن السلطان أرسل بعض الخاصكية إلى الأتابكي قيت الرحبي لنقله من ثغر الإسكندرية إلى ثغر دمياط، وأرسل مراسيم شريفة إلى الظاهر قانصوه الذي بثغر الإسكندرية أن يسكن في قاعة الملك المؤيد بالإسكندرية، وأن يركب ويصلي صلاة الجمعة مع الناس في الجامع، وأن يسير نحو البساتين التي بالأسكندرية.
وفي يوم الجمعة خامس عشرية خرج الأمير خاير بك المعمار أحد الأمراء المقدمين والأمير أزبك المكحل، فخرجا في ذلك اليوم إلى التجريدة وطلبا أطلابا حربية.
وفي يوم السبت سادس عشرية طلع العسكر بسبب العرض، ولم يطلع في ذلك اليوم أحد من الأمراء المقدمين، واحتجب السلطان في الدهيشة ولم يخرج إلى العسكر، فنزلوا إلى بيوتهم من غير طائل.
وفي هذا اليوم، نادى السلطان بأن لا أحد من الناس يتجاهر بالمعاصي، ولا يهودي ولا نصراني يبيع خمرا، ومن شهر عليه بيع الحمر شنق من غير معاودة، وكذلك البوزة والحشيش. فلم يسمع له أحد ذلك ولم ينتهوا عما هم فيه.