في شهر رمضان، وأن ابن عثمان لا يصلي صلاة الجمعة إلا قليلا … وقد أشيعت عن ابن عثمان هذه الأخبار الشنيعة من غير ابن محاسن ممن شاهد هذا من أفعال عسكره بحلب والشام.
فلما أطنب ابن محاسن في أخبار ابن عثمان، حنق منه السلطان، وقال له:"أنت جاسوس من عند ابن عثمان أتيت لتكشف أخبارنا وتطالعه بذلك". فرسم بسجنه في البرج الذي بالقلعة، فسجن به أياما حتى طلع الأتابكي سودون الدواداري وشفع فيه حتى أطلقه من البرج، وقد قطع قلب العسكر بما حكاه عن ابن عثمان.
ثم إن السلطان رسم بشنق اثنين من العربان الذين أتوا بالقاصد من هذه الطريق التي كانت مخفية عليهم. وأشيع أنه حضر صحبة القاصد من جماعة ابن عثمان نحو أربعين نفرا، فاخفتوا في القاهرة. فلما بلغ السلطان ذلك نادى في خان الخليلي "بأن لا أحد يأوي عنده غريبا من جماعة ابن عثمان، ومن غمز عليه بأن عنده أحد من العثمانية شنق من غير معاودة".
ثم إن السلطان أرسل أخذ المطالعات التي حضرت على يد القاصد، ولم يقابله. فوجدوا معه عدة مطالعات للأمراء والمباشرين وأعيان الديار المصرية. فالذي أشيع من مطالعة السلطان أن غالب ألفاظها تركية، وكان من مضمونها: من مقامه السعيد إلى الأمير طومان باي، أما بعد، فإن الله قد أوحى إلى بأني أملك البلاد شرقا وغربا كما ملكها الإسكندر ذو القرنين. ومن جملة المطالعة وعد ووعيد، وتهديد وتشديد فمن جملة ذلك "أنك مملوك تباع وتشتري، ولا تصح لك ولاية، وأنا ملك بن ملك إلى عشرين جدا، وقد توليت الملك بعهد من الخليفة والقضاة". وذكر في مطالعته أشياء كثيرة من هذا النمط. ثم ذكر في أثناء المطالعة "إن أردت أن تنجو من سطوة بأسنا فاضرب السكة في مصر باسمنا، وكذلك الخطبة، وتكون نائبنا بمصر، ولك من غزة إلى مصر، ولنا من الشام إلى الفرات، وإن لم تدخل تحت طاعتنا، أدخل إلى مصر، وأقتل جميع من بها من الجراكسة حتى أشق بطون الحوامل، وأقتل الأجنة التي في بطونهن من الجراكسة". وأظهر التعاظم وقوة البأس، ولعل الله تعالى أن يخذله بسبب هذا التعاظم الزائد. وفي آخر مطالعته:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا". فلما قرئت هذه المطالعة على السلطان بكى وحصل له غاية الرعب. وكانت المماليك الجلبان اتفقوا على أنه إذا طلع القاصد إلى القلعة، يقطعونه بالسيوف، فلم يطلع إلى القلعة بسبب ذلك.
وفيه أشيع بين الناس ما في مطالعة ابن عثمان من هذه الدعاوي العريضة كما تقدم ذكره. ثم اضطربت أحوال الديار المصرية، وأخذ كل أحد حذره من ابن عثمان، وقالوا