للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعر بهم أهل مصر إلا وهم في وسط المدينة فلما صادفهم هؤلاء المماليك قبضوا على القاصد الكبير وعلى جماعته وعلى محاسن، ووجدوا معهم ثلاثة من العربان، فقبضوا على الجميع فبينما هم على ذلك إذ رأوا ثلاثة أنفار من الأرواح الذين في خان الخليلي قد أتوا إليهم وسلموا عليهم، وباسوا أيديهم، فقبض عليهم هؤلاء المماليك وقالوا لهم: "من أين علمتم أن هذا القاصد يجيء اليوم حتى أتيتم إليه؟ وما أنتم إلا جواسيس من عند ابن عثمان". فقبضوا عليهم بعد ما أشبعوهم ضربا، وأتوا بالكل إلى بيت الأمير علان الدوادار الكبير.

فلما دخل القاصد بيت الأمير علان، قالوا له انزل عن فرسك وسلم على الأمير الدوادار، فلم يوافق على ذلك، وأغلظ عليهم في القول. ثم سل سيفه وهاش على من حوله من جماعة الدوادار.

فلما رأى الدوادار الكبير ذلك، رسم للمماليك أن ينزلوه عن فرسه غصبا، فأنزلوه وأخذوا سيفه منه، ثم بهدلوه ومن معه من العثمانية، وضربوهم ومسكوهم وعروهم من ثيابهم، ووضعوهم في الحديد بعد ما قاسوا غاية البهدلة من جماعة الدوادار.

فلما بلغ السلطان ذلك رسم للأمير مغلباي دوادار سكين - الذي كان أرسله السلطان الغوري إلى ابن عثمان وحصل منه في حقه غاية البهدلة - فقال له السلطان: "انزل وبهدل قاصد ابن عثمان كما بهدلوك". فأخذ خشداشينه وتوجه بهم إلى بيت الأمير علان على أنهم يوقعون في جماعة ابن عثمان فعلا من أنواع البهدلة، أو يقتلونهم، فما مكنهم الأمير علان من ذلك.

محاسن الذي حضر صحبتهم، فلما مثل بين يدي السلطان شرع يطنب في أوصاف ابن عثمان وفي تزايد عظمته. فمن جملة ما حكى عنه أنه لما دخل إلى حلب قطع في يوم واحد ثمانمائة رأس من جماعة أهل مصر من جملتهم حليفة سيدي أحمد البدوي وآخرون من الأعيان ممن تخلفوا بحلب، وأخبر أن عسكر ابن عثمان فوق الستين ألف إنسان، وأنه خطب باسمه من بغداد إلى الشام، وأن معاملته ماشية من بغداد إلى الشام، وأنه لما دخل إلى الشام وملكها شرع في عمارة سور وأبراج من القابون إلى آخر مدينة دمشق، وجعل في ذلك السور أبوابا تغلق على المدينة، وهو في همة زائدة، ويقول ما أرجع حتى أملك مصر، وأقتل جميع من بها من المماليك الجراكسة … وأخبر أن ابن عثمان ينحجب عن عسكره أيامكا لا يظهر فيها، ففي هذه المدة يقتل عسكره خلقا في المدينة ويتجاهرون بالمعاصي والفسوق، وأنهم لا يصومون شهر رمضان، ويشربون فيه الخمر والبورة، ويستعملون فيه الحشيش والشحب، ويفعلون الفاحشة في الصبيان المرد

<<  <  ج: ص:  >  >>