للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدوادار، وأخذ الشيخ عليهم العهد بجميع ما حلفهم عليه بحضرته كما تقدم. وترشح أمر الأمير الدوادار إلى السلطنة، وتسلطن كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه.

ومن هنا نرجع إلى أخبار الأشرف الغوري، فإنه خرج من القاهرة خامس عشر ربيع الآخر من هذه السنة، واستمر نافذا الكلمة وافر الحرمة إلى أن دخل إلى حلب وأقام بها، وأرسل إليه ابن عثمان عدة قصاد بالخلع السنية، وأنعم عليهم بالعطايا الجزيلة إلى أن حضر مغلباي دوادار سكين الذين كان أرسله إلى ابن عثمان، فلما رجع من عنده وهو في غاية التحقير كما تقدم، وكان السلطان أرسل مغلباي هذا إلى ابن عثمان في هيئة تشعر بالشدة والقوة، لابس آلة الحرب باللبس الكامل. فشق ذلك على ابن عثمان وبهدله. فلما حضر إلى الغوري أعلمه أن ابن عثمان قد أبى من الصلح.

فلما تحقق السلطان أن ابن عثمان يريد الشر معه نادى للعسكر بالرحيل والخروج من حلب، فخرج العسكر قاطبة وهم كالنجوم الزاهرة، من آلة السلاح والخيول الفاخرة، وكل فارس مقوم بألف فارس من عسكر ابن عثمان، ولكن الله تعالى يعطي النصر من يشاء

فتوجهوا إلى مرج دابق يوم الأحد خامس عشري رجب من هذه السنة، فلما بلغه أن عسكر ابن عثمان قد وصل إلى تل الفار، ركب صبيحة يوم الأحد المذكور وهو يوم نحس مستمر، فبرز فيه إلى قتال ابن عثمان، وكانت الكسرة أولا على عسكر ابن عثمان، ثم بدل الله هذا الأمر، وعادت الكسرة على عسكر مصر.

ولما رأى السلطان عين الغلب من عسكره أراد أن يلفت فرسه ليهرب وينجو بنفسه، فاعترته سارقة من الرجفة فأغمي عليه فسقط عن ظهر فرسه إلى الأرض فطلعت روحه في تلك الساعة، وصار ملقى على الأرض، فزحفت عساكر ابن عثمان، ففر من كان حو - له من الغلمان، والسلحدارية والمماليك الجلبان، وتركوا جثته على الأرض فكان آخر العهد به ولم نر له جثة ولا عرف له مكان قبر، فكأنما ابتلعته الأرض، ولم يقف له أحد من الناس على خبر.

ومن العجائب أنه لم يدفن في مدرسته التي صرف عليها نحو مائة ألف دينار، وظن أنه يدفن بها على عزة وحفظ مقام، فكان المقدور خلاف ذلك، وصار مرميا في البراري تنهشه الذئاب والنمور، ومات له من العمر نحو ثمانية وسبعين سنة.

وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما. وكانت هذه المدة على الناس كل يوم كألف سنة مما يعدون.

وكانت صفته أنه طويل القامة، غليظ الجسد ذو كرش كبير، أبيض اللون، مدور الوجه، مشحم العينين، جهوري الصوت، مستدير اللحية، ولم يظهر بلحيته الشيب إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>