للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العري والجوع والضعف، ودخلوا وأطواقهم مفككة، وأظهروا الحزن على السلطان، وصار الأمراء والعسكر يدخلون شيئا فشيئا.

وفي يوم الخميس ثالث عشره دخل الأمير سودون الدواداري رأس نوبة النوب، والأمير كرت قانصوه والأمير جان بردي الغزالي نائب حماة، ودخل المقر الناصري محمد نجل السلطان الغوري، والأمير جان بلاط الموتر والأمير أبرك الأشرفي والأمير تاني بك الخازندار والأمير كرتباي.

وفيه تكامل دخول الأمراء فسلم عليهم الأمير الدوادار ورجع إلى منزله، ودخل صحبته الأمير قانصوه الأشرفي الذي كان نائب قلعة حلب، وهو الذي سلم القلعة بما فيها من المال والسلاح والقماش والكنابيش الزركش والسروج الذهب وغير ذلك من التحف، فتسلمها ابن عثمان من غير أن يحاصر القلعة، فخرج قانصوه هذا والأمراء الذي معه فارين إلى جهة الشام، مع أن قلعة حلب حصينة مانعة … فلما قابله الأمير الدوادار وبخه بالكلام، ورسم بسجنه في البرج الذي بالقلعة، واستوعده بكل سوء.

فلما دخل الأمراء إلى القاهرة اجتمع رأي الجميع على سطنة طومان باي الدوادار.

وترشح أمره لأن يلي السلطنة، فصار يمتنع من ذلك غاية الامتناع، والأمراء كلهم يقولون: "ما عندنا من نسلطنه إلا أنت، ولا محيد لك عنها طوعا أو كرها".

ثم أن الأمير الدوادار ركب وصحبته جماعة من الأمراء المقدمين، منهم الأمير علان والأمير أنسباي حاجب الحجاب والأمير تمر والأمير طقطباي نائب القلعة وآخرون من الأمراء وتوجهوا إلى العارف بالله تعالى الشيخ أبي السعود الذي في كوم الجارح، فلما تكامل المجلس عنده ذكروا له أمر سلطنة الدوادار وأنه امتنع من ذلك، فأحضر لهم الشيخ مصحفا شريفا، وحلف الأمراء الذين حضروا صحبة الدوادار بأنهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يغدرونه ولا يخامرون عليه ويرضون بقوله وفعله … فحلف الجميع على ذلك.

ثم أن الشيخ حلفهم ألا يعودوا إلى ما كانوا عليه من ظلم الرعايا، وألا يشوشوا على أحد بغير طريق شرعي، ولا يجددوا مظلمة، وأن يبطلوا جميع ما أحدثه الغوري من المظالم، ويبطلوا ما كان على الدكاكين من المشاهرة والمجامعة، وأن يجروا الأمور على ما كانت عليه في أيام الأشرف قايتباي، ويمشوا الحسبة على طريقة يشبك الجمالي لما كان محتسبا … فحلفوا على ذلك.

ثم أن الشيخ ذكر للأمراء أن الله تعالى ما كسركم وذلكم، وسلط عليكم ابن عثمان، إلا بدعاء الخلق عليكم في البر والبحر، فقالوا: "تبنا إلى الله تعالى من اليوم عن الظلم". ثم انفض المجلس على ذلك وخرجوا من عند الشيخ أبي السعود على أن يسلطنوا الأمير

<<  <  ج: ص:  >  >>