للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلا. وكان ملكا مهيبا جليلا مبجلا في المواكب، تملأ العيون منه في المنظر، ولولا ظلمه وكثرة مصاداراته للرعية لكان خيار ملوك الجراكسة، بل وخيار ملوك مصر قاطبة.

وكان في يومي الاثنين والخميس ينزل إلى الحوش السلطاني، ويومي السبت والثلاثاء بالميدان. فينزل من السبع حدرات وقدامه طوالتين خيل بسروج ذهب وكنابيش زركش.

وكان يكثر في الأسفار من ركوب الحجورة بالسروج البداوي والركب العراض، وكان يشد في وسطه حياصة ذهب عوضا عن الشد البعلبكي، وكان يلبس في أصابعه الخواتم الياقوتت والفيروزج والزمرد والألماس وعين الهر، وكان مولعاف بشم الرائحة الطيبة من المسك والعود والعنبر، وكان ترفا في ملبسه ويحب رؤية الأزهار والفواكه، ويمل إلى أبناء العجم وربما كان يميل إلى مذهب النسيمية من ميله إلى معاشرة الأعاجم، وكان مولعا بغرس الأشجار وحب الرياضيات وسماع الأطيار المغردة، ونشق الأزهار العطرة.

وكان يستعمل الطاسات الذهب يشرب فيها، وكان يستعمل الأشياء المفرحة، وكان نهما في الأكل والشرب، وكان يغوي طيور المسموع.

وكان يعرف بقانصوه بن بيبردي الغوري، واستمر يرتع في ملك مصر على ما ذكرناه من التنعم والرفاهية وهو نافذ الكلمة وافر الحرمة، والأمراء والنواب والعسكر في قبضة يده لم يختلف عليه اثنان في كلمة، إلى أن وقعت الواقعة بينه وبين سليم شاه بن عثمان ملك الروم، فخرج إليه كما ذكرنا وجرت له هذه الكائنة التي لم تقع لملك من ملوك مصر ولا غيرها من الملوك، وكان ذلك في الكتاب مسطورا. وقد قلت في معنى ذلك:

طالعت تاريخ الملوك فلم أرى … فيما سمعت حوادثا مما جرى

لا زالت الأيام يبدو فعلها … بعجائب وغرائب بين الورى

لكن هذي وقعة ما مثلها … سبقت لسلطان ولا متأمرا

والأشرف الغوري كان مليكنا … لكنه قد جار فينا وافترى

والموت أوجب هزمه مع جيشه … قد كان ذلك في الكتاب مسطرا

أعماله ردت عليه بما جنى … والدهر جازاه بأمر قدرا

<<  <  ج: ص:  >  >>