للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرير ملون، فترتج له القاهرة وترتفع له الأصوات بالدعاء من الناس، فكانت نفسه تحدثه بالسلطنة قبل وقوعها، وقد عظم أمره جدا وهابه الناس هيبة عظيمة.

وفي يوم الجمعة ثاني عشريه لما تحقق موت السلطان لم تدع الخطباء في ذلك اليوم على المنابر باسم السلطان، بل دعوا باسم الخليفة فقط ولم يذكروا اسم السلطان، وبعضهم قال: "اللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا". واستمر الحال على ذلك مدة طويلة ومصر بلا سلطان، وكذلك البلاد الشامية.

وفي تلك الأيام وقع الفساد من العربان في الشرقية وغيرها من البلاد، فنهبوا عدة بلاد من المنزلة وغيرها من ضواحي الشرقية، ولم يبقوا لهم مواشي ولا بقرا ولا غنما، حتى أخذوا صيغة النساء، وقتل من الفلاحين في هذه الحركة ما لا يحصى عددهم، وكذلك من القصاد وغيرهم. وانقطعت جميع الطرقات من المسافرين ولا سيما لما تحققوا موت السلطان، وصارت مصر في اضطراب والإشاعات قائمة بالأخبار الرديئة عما جرى للسلطان والعسكر.

وكان أكثر من شن هذه الغارات أولاد شيخ العرب الأمير أحمد بن بقر وجماعة من العشير، وفعلوا ما عظم خبره في العساكر والتجار الذين دخلوا صحبة القفل الشامية، فقتلوا من العساكر والتجار ما لا يحصى عددهم، وأخذوا أموالهم وجمالهم، والذي سلم من القتل عروه، وجرى على العسكر من هؤلاء العربان ما لم يجر عليهم من عسكر ابن عثمان، ووقع لهم ذلك بين قطيا والصالحية عند ما وصلوا إلى الأمان.

وفي هذا الشهر أشيع أن المماليك الجلبان قصدوا أنهم ينزلون من الطباق، وينهبون خان الخليلي ثم يحرقونه، ويقتلون من به من تجار الأروام، وقالوا: هؤلاء التجار من جهة ابن عثمان وقد شمتوا بأستاذنا لما مات … فلما بلغ الأمير الدوادار ذلك أحضر أغوات الطباق وقال لهم: "لا أطلب خمود هذه الفتنة إلا منكم". فمنعوهم من النزول من الطباق، ولولا أن الأمير الدوادار قام في هذا الحركة حتى خمدت هذه الفتنة لخربت مصر عن آخرها من المماليك الجلبان.

وفيه اهتم الأمير الدوادار بعمل طوارق خشب وكفيات ونبدقيات وغير ذلك من آلات الحرب … وأشيع أنه يتسلطن قبل مجيء العسكر، وكان القائم في ذلك الأمير طقطباي نائب القلعة والأمير علان الدوادار الثاني.

وفي يوم الجمعة الثانية لم تذكر الخطباء اسم سلطان في الدعاء كما فعلوا في الجمعة الماضية، ومن حين ورد كتاب الأمير علان بما جرى للعسكر من أمر الكسرة وأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>