للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما كان من أمر سليم شاه بن عثمان فإنه أقام بالميدان الذي في حلب فتوجه إليه أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الثلاثة وهم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة محيي الدين الدميري المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي الحنبلي. وأما قاضي القضاة محمود بن الشحنة فإنه هرب مع العسكر إلى الشام ونهب جميع بركه وقماشه، ودخل إلى الشام في أنحس حال.

قيل: لما دخل أمير المأمني على ابن عثمان وهو بالميدان عظمه وأجلسه وجلس بين يديه فأشيع أنه قال له: أصلكم من أين؟ فقال له: من بغداد، فقال له ابن عثمان: نعيدكم إلى بغداد كما كنتم. والأقوال في ذلك كثيرة … فلما أراد الخليفة الانصراف خلع عليه خلعة سنية من ملابسه، وأنعم عليه بمال له صورة ورده إلى حلب ووكل به ألا يهرب.

وقيل: لما دخل عليه القضاة الثلاثة المذكورون وبخهم بالكلام، وقال لهم: أنتم تأخذون الرشوة على الأحكام الشرعية، وتسعون بالمال حتى تتولوا القضاء، وما منكم من أحد يرشد إلى الخير، لأنكم لم تمنعوا سلطانكم عن المظالم التي كان يفعلها بالناس، وأنتم ترون ذلك منه ولا تنكرونه. وأشاعوا من هذه الأخبار العجائب والغرائب، والمعول في ذلك على الصحة.

وأخبرني من رأى سليم شاه بن عثمان أنه مربوع القامة واسع الصدر أقنص العنق مكرفس الأكتاف مترك الوجنتين واسع العينين دري اللون وافر الأنف مليء الجسد حليق اللحية ليس له غير الشوارب، كبير الرأس عمامته صغيرة دون عمائم أمرائه. فلما جاء إلى حلب سلمه أهلها المدينة من غير نزاع، وهرب قانصوه الأشرفي نائب القلعة، وتوجه إلى الشام مع العسكر وترك أبواب قلعة حلب مفتحة … فلما بلغ ابن عثمان ذلك أرسل إليها شخصا من جماعته أعرج أجرود وفي يده دبوس خشب، فطلع إلى قلعة حلب فلم يجد بها مانعا يرده. فختم على الحواصل التي بها واحتوى على ما فيها من مال وسلاح وتحف وغير ذلك، وقد فعل ابن عثمان ذلك ليقال أنه أخذ قلعة حلب بشخص أعرج وفي يده دبوس خشب وهو أضعف من في عسكره وقد قيل في المعنى:

لا تحرقن صغيرا في مخاصمة … إن الذبابة تدمي مقلة الأسد

وأشيع أن ابن عثمان من حين استولى على مدينة حلب لم يدخلها غير ثلاث مرات:

المرة الأولى دخلها وطلع إلى القلعة بسبب عرض حواصلها، فلما عرضت عليه رأى ما أدهشه من مال وسلاح وتحف، وكان فيها من المال نحو مائة ألف ألف دينار، ورأى من

<<  <  ج: ص:  >  >>