ولم يقع قط لملوك ابن عثمان مثل هذه النصرة على أحد من الملوك قاطبة، بل إن تمرلنك زحف على بلاد ابن عثمان وحارب أحد أجداده وهو شخص يقال له: يلدرم. فلما حاربه انكسر فأسره تيمور ووضعه في قفص حديد وصار يعجب عليه في بلاد العجم، فما طاق ابن عثمان ذلك فابتلع فص الماس فمات وهو في ذلك القفص الحديد. ولم يقع قط لأحد من سلاطين مصر مثل هذه الكائنة، ومات تحت صنجقه في يوم واحد وانكسر على هذا الوجه أبدا، ولا سمع بمثل ذلك ونهب مالك وبركه بيد عدوه غير قانصوه الغوري، وكان ذلك في الكتاب مسطورا، وكان السلطان والأمراء ما منهم أحد ينظر في مصالح المسلمين بعين العدل والإنصاف، فردت عليهم أعمالهم ونياتهم وسلط عليهم ابن عثمان حتى جرى لهم ما جرى كما قيل في المعنى:
أين الملوك الأولى في الأرض قد ظلموا … والله منهم لقد أخلى أماكنهم
ثم أن السلطان ابن عثمان تحول من مرج دابق فدخل إلى حلب فملكها من غير مانع ونزل بالميدان الذي بها في المكان الذي كان به السلطان الغوري
وهذا ما انتهى إلينا من ملخص هذه الواقعة ما فيها من زيادة ونقصان، فهذا ما كان من أمر السلطان الغوري وابن عثمان. وأما ما كان من أمر الأمراء والعسكر بعد الكسرة فإنهم توجهوا إلى حلب وأرادوا الدخول بها، فوثب عليهم أهل حلب قاطبة، وقتلوا جماعة من العسكر ونهبوا سلاحهم وخيولهم وبرقهم، ووضعوا أيديهم على ودائعهم التي كانت بحلب، وجرى عليهم من أهل حلب ما لم يجر عليهم من عسكر ابن عثمان.
وكان أهل حلب بينهم وبين المماليك السلطانية حظ نفس من حين توجهوا قبل خروج السلطان من القاهرة إلى حلب صحبة قاني باي أمير آخور كبير. فنزلوا في بيوت أهل حلب غصبا وفسقوا في نسائهم وأولادهم وحصل منهم غاية الضرر والأذية لأهل حلب، فما صدق أهل حلب أن وقعت لهم هذه الكسرة فأخذوا بثأرهم منهم … فلما رأى الأمراء وبقية العسكر ذلك خرجوا من حلب على حمية وتوجهوا إلى دمشق ودخلوها وهم في أفحش حال، لا برك ولا قماش ولا خيول، ودخل غالب العسكر إلى الشام وبعضهم راكب على حمار وبعضهم راكب على جمل وبعضهم عريان وعليه عباءة أو بشت. ولم يقع لعسكر مصر مثل هذه الكائنة، فأقام الأمراء والمباشرون والعسكر في الشام حتى تتكامل البقية ويظهر السالم من العاطب … قيل: إن الأمراء لما دخلوا إلى الشام وصاروا في حر الشمس لم يجدوا ما يستظلون به حتى صنع لهم الغلمان عرايش من فروع الشجر يستظلون بها.