وقد أقامت هذه الواقعة من طلوع الشمس إلى ما بعد الظهر، وانتهى الحال إلى الأمر الذي قد قدره الله تعالى، فقتل في تلك الواقعة من عسكر السلطان ابن عثمان ومن عسكر السلطان الغوري ما لا يحصى عدده، فقتل من الأمراء المقدمين ثلاثة وهم: الأتابكي سودون العجمي، وبيبرس قريب السلطان، وأقباي الطويل، وأسروا قانصوه بن سلطان جركس، وقتل سيباي نائب الشام وتمراز نائب طرابلس وطراباي نائب صفد وأصلان نائب حمص وغير ذلك جماعة كثيرة من أمراء دمشق وأمراء حلب وطرابلس، وقتل من أمراء مصر جماعة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشراوات والخاصكية وأكثر من قتل من عسكر مصر المماليك القرانصة. ولم يقتل من المماليك الجلبان إلا القليل فإنهم لم يقاتلوا في هذه الواقعة ولا ظهر لهم فروسية ولا جذبوا سيفا ولا هزوا رمحا فكأنهم خشب مسندة. وقتل من عسكر ابن عثمان ما لا يحصى ضبطه، وقتل من أمراء مصر ومن دمشق وحلب فوق الأربعين أميرا، وقتل في ذلك اليوم القاضي ناظر الجيش عبد القادر القصروي وجماعة كثيرة من الجند يأتي الكلام على ذلك في موضعه، فكانت ساعة يشيب منها الوليد، ويذوب لسطوتها الحديد. فكان برج دابق فيه جثث مرمية وأبدان بلا رؤوس ووجوه معفرة بالتراب قد تغيرت محاسنها، وصار في ذلك المكان خيول مرمية موتى، وسروج مفرقة وسيوف مسقطة بذهب وبركستوانات فولاذ بذهب وخوذ وزرديات وبقح قماش فلم يلتفت إليها أحد، وكل من العسكرين قد اشتغل بما هو أهم من ذلك، وقال بعض المواليا في المعنى:
صفق جوادي وقد جسيت يوم الحرب … عودي فغنت صوارم شرقها والغرب
ضربت عادة تنقط في سماع الضرب … رؤوس الأعادي وترفض داخله في الحرب
ثم أن ابن عثمان زحف بعسكره وأتى إلى وطاق السلطان، ونزل في خيامه وجلس في المدورة، واحتوى على الطشتخاناه وما فيها من الأواني الفاخرة، وعلى الزردخاناه وما فيها من السلاح، وعلى خزائن المال والتحف، ونزل كل أمير من أمرائه في وطاق أمير من أمراء الغوري واحتوى على ما فيها، فاحتوى على وطاق خمسة عشر أميرا مقدمي ألوف خارجا عن أمراء الطبلخانات والعشراوات، واحتوى العسكر على خيام العسكر المصري والشامي والحلبي وغير ذلك كما يقال:"مصائب قوم عند قوم فوائد".