للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما التقى الجيشان مع سلطاننا … في مرج دابق قال هل من مسعفي

فله أجاب لسان حال قائلا … عرضت نفسك للبلا فاستهدف

واشتد بالجلبان رعب قلوبهم … وغدوا يقولوا أي أرض نختفي

والنهب أطمعهم لذل نفوسهم … حتى أتاهم بالقضاء المتلف

فلما اضطربت الأحوال، وتزايدت الأهوال، خاف الأمير تمر الزردكاش على الصنجق السلطاني فأنز - له وطواه وأخفاه. ثم تقدم إلى السلطان وقال له: "يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك وادخل إلى حلب". فلما تحقق السلطان ذلك غلبه في الحال خلط فالج، أبطل شقه وأرخى حنكه، فطلب ماء فأتوه بماء في طاسة من ذهب فشرب منه قليلا، وألفت فرسه على أنه يهرب فمشى خطوتين وانقلب عن الفرس إلى الأرض، فأقام نحو درجة وخرجت روحه ومات من شدة قهره، وقيل: فقئت مرارته وطلع من حلقه دم أحمر.

فلما أشيع موته زحف عسكر ابن عثمان على من كان حول السلطان فقتلوا الأمير بيبرس أحد المقدمين وقتلوا جماعة من الخاصكية وغلمان السلطان ممن كان حوله، وأما السلطان من حين مات فلم يعلم له خبر، ولا وقف له على أثر، ولا ظهرت جثته بين القتلى، فكأن الأرض قد ابتلعته في الحال، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر. فداس العثمانية وطاق الغوري بما فيه من الأمتعة والأزراق التي كان حوله بأرجل الخيول، وفقد المصحف العثماني، وداسوا أعلام الفقراء وصناجق الأمراء، ووقع النهب في أرزاق عسكر مصر وبرقهم، وزال ملك الأشرف الغوري في لمح البصر، فكأنه لم يكن، فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغير.

فاضمحل أمره وزال ملكه، بعد ما تصرف في ملك مصر وأعمالها، والبلاد الشامية وأعمالها، وكانت مدة سلطنته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما … فإنه ولي ملك مصر في مستهل شوال سنة ست وتسعمائة، وتوفي في الخامس والعشرين من رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وكانت الناس معه في هذه المدة في غاية الضنك وقد قلت في المعنى:

اعجبوا للأشرف الغوري الذي … مذ تناهى ظلمه في القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>