الدين، فأغلظ عليه علم الدين في القول وربما سفه على الوالي، فقبض الوالي على عبد علم الدين الذي ضرب مماليك الوالي فوضعه في الحديد، ثم طلع الوالي إلى السلطان وأحضر مماليكه الذين ضربوا بين يدي السلطان، فلما عاين السلطان ذلك شق عليه ما فعل علم الدين في حق الوالي. ثم طلع على الدين إلى السلطان وظن أن السلطان يقوم في نصره، فلما عاين السلطان علم الدين رسم لنقيب الجيش بأن يقبض على علم الدين ويمضي به إلى الوالي يوسطه، وصمم السلطان على ذلك. فقبض نقيب الجيش على علم الدين وقلع سلاريه وفك أزرار ملوطته وأركبه على بغلة، ومضى به إلى الوالي ليوسطه، فاستدرك الوالي فرصة في هذه الواقعة وركب في أثناء ذلك اليوم وأتى إلى الأمير الكبير سودون العجمي، وترامى عليه بسبب علم الدين بأن يطلع يشفع فيه عند السلطان من التوسيط، فطلع أمير كبير فشفع فيه فقبلت شفاعته، ثم أن الوالي ألبس علم الدين كاملية صوف بسمور وطلع علم الدين إلى السلطان ليبوس الأرض، فنتر فيه السلطان لما رآاه وقال له:"الزم بيتك ولا ترني وجهك أبدا". فقيل: إن علم الدين خدم السلطان بمال له صورة حتى رضي عليه وخدم الوالي أيضا بمال لكنه استمر ممنوعا من الطلوع إلى القلعة من بعد ذلك، وقد تزايد هذا الأمير الفشروي حتى خرج عن الحد. وكان علم الدين لما قرره السلطان طاش، وكان في خدمة السلطان من مبدأ أمره حين كان أمير عشرة.
وكان علم الدين عنده بجمقدار وهو صبي أمرد، فلما تسلطن السلطان صار علم الدين عنده من المقربين وصار يلبس سلاري بكم قصير مثل الأمراء العشراوات ويشق القاهرة والركبدار يمشي في جانبه يفسح له الطريق وخلفه بجمقدار وعلى كتفه فوطة حرير وهو راكب على بغلة عالية فكانت المماليك كلما رأوه يلعنونه في الباطن، وربما توعدوه بالقتل. وأمه كانت صانعة، وقيل: إن أصله كان من أبناء الساسة التي بالحسينية وعنده كثافة في طبعه وقلة فضيلة فكان كما قيل:
نقصت عقلا وفهما … وزدت شحما ولحما
ورثت طالوت جسما … ولم ترث منه علما
وفي يوم الاثنين سادس صفر جلس السلطان بالميدان وعرض من العسكر في ذلك اليوم أربع طبقات. ومن الحوادث اللطيفة في ذلك اليوم أن السلطان أمر بإبطال المشاهرة والمجامعة التي كانت للمحتسب، وأشهر النداء في مصر والقاهرة بذلك وإن مكس البحرين الذي كان يؤخذ على الغلال بطال. فارتفعت له الأصوات بالدعاء بالنصر، وانطلقت له النساء بالزغاريت من الطيقان ونقطت الناس المنادين بالفضة على تلك