أيام الملك الأشرف قايتباي مثل ذلك وطلعوا معهم بكراسي فما مكنوهم من الجلوس عليها بحضرة السلطان. فلما وصل هذا القاصد إلى الحوش قبل الأرض، فلما وصل إلى أوائل البساط قبل الأرض هو ومن معه من أعيان الحبشة ولم يدخل معه قدام السلطان غير سبعة أنفس والبقية لم يدخلوا، فلما قربوا من السلطان قبلوا الأرض بين يديه ثالث مرة، ثم قدموا كتاب ملك الحبشة، قيل: إنه في ضمن غلاف من الفضة وقيل: من الذهب، فلما قرئ على السلطان وجد فيه ألفاظا حسنة ونعتا عظيما للسلطان، وأن قصادنا أتوا إلى مصر ليزوروا القيامة التي بالقدس، فلا تمنعوهم من ذلك. فاستمروا على أقدامهم واقفين نحو خمس درج حتى قرأوا كتابهم ثم انصرفوا ونزلوا من القلعة، فرسم لهم السلطان أن يقيموا في ميدان المهارة الذي بالقرب من قناطر السباع إلى أن يسافروا، وأرسل لهم خياما ضربت لهم من داخل الميدان، ووكل بباب الميدان جماعة من المماليك يمنعون من يدخل إليهم من العوام.
فلما نزلوا من القلعة نزل معهم الوالي والمهندار وجماعة من رؤوس النوب فوصلوهم إلى الميدان خوفا عليهم من العوام أن يرجموهم، فكان لهم يوم مشهود. فإن قصاد ملوك الحبشة لا يدخلون إلى مصر إلا قليلا لأن بلادهم بعيدة، حتى قيل: إن هذا القاصد له تسعة أشهر وهو مسافر حتى دخل إلى مصر. ثم أن القاصد أرسل إلى السلطان تقدمة لم تكن كبيرة أمر، قيل: قومت بنحو خمسة آلاف دينار أو دون ذلك، فلما عاينها السلطان وبخ الذي طلع بها وأحضر له قوائم هدايا ملوك الحبشة إلى الملوك السالفة مثل الأشرف برسباي والظاهر جقمق والأشرف قايتباي وغير ذلك من الملوك، وأحضر له عدة تواريخ يذكر فيها هدايا ملوك الحبشة إلى ملوك مصر فقرئت عليه، ولكن ضعف أمر ملوك الحبشة بالنسبة إلى ما كانوا عليه من قديم الزمان حتى نقل بعض المؤرخين أنه كان لملوك الحبشة على نواحي النيل ستون مملكة لا ينازع بعضها بعضا فيما بأيديهم من الأراضي التي هناك، والآن قد ضعف أمرهم بالنسبة إلى ما كانوا عليه من قبل ذلك. وقد أرسل بعض ملوك الحبشة تقدمة للملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فقومت بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك حتى عدت من النوادر. ثم أن قاصد الحبشة أقام في الميدان ثلاثة أيام وسافر وهو ومن معه إلى القدس ليزوروا القيامة.
وفيه حضر الأمير طومان باي الدوادار وقد تقدم القول على أنه سافر إلى جهة الفيوم هو الأمير أرزمك الناشف ليكشفا على الجسى الذي هناك وقد انقلب من الماء. وكان السلطان قصد أن يتوجه إلى هناك بنفسه فما تم له ذلك كما تقدم ذكره، فلما توجه الأمير