غرمها للمعلم يعقوب اليهودي معلم دار الضرب، فلما حضر أحمد الشامي بين يدي السلطان اعترف بذلك فسلمه السلطان للوالي يعاقبه حتى يستخلص منه المال الذي أخذه.
ثم أن أحمد الشامي أقر على شخص كان معه لما أخذ المال وهو كان بالقاهرة مقيما، فلما أقر عليه خاف على نفسه من العقاب فأرسل للسلطان أربعة آلاف دينار، وقال هذا هو القدر الذي نابني من المال ولم يخصني شيء غير ذلك. فلم يتكف منه السلطان بذلك ورسم عليه وشكه في الحديد حتى يحضر بقية المال. وكان هذا الشخص من معلمي دار الضرب أيضا، وقد ظهر هذا المال الذي سرق من ذار الضرب بعد مدة طويلة فعد ذلك من جملة سعد السلطان.
وفي يوم الخميس خامس عشريه حضر قاصد من عند ملك الحبشة وكانت قصاد ملوك الحبشة لهم مدة طويلة لم يدخل منهم أحد إلى مصر، وقد دخل قاصد من عند ملك الحبشة في دولة الملك الأشرف قايتباي وذلك في سنة ثمانين وثمانمائة. ومن بعد ذلك لم يدخل قاصد من عند ملوك الحبشة سوى هذا القاصد لأن بلادهم بعيدة وما لهم شغل في مصر.
فلما حضر هذا القاصد عمل له السلطان موكبا بالحوش من غير شاس ولا قماش، كما تقدم للأشرف قايتباي. فجلس السلطان على المصطبة التي أنشأها بالحوش ونصب على رأسه السحابة الزركش واصطفت الأمراء عن يمينه وشماله كل واحد منهم في منزلته، ثم طلع القاصد من الصليبة وصحبته الأمير أزدمر الممندار وجماعة من الرؤوس النوب ومن المماليك السلطانية وغير ذلك. وكان القاصد معه من أعيان أمراء الحبشة نحو خمسة أنفار، والبقية كلهم ليسوا من الأعيان، وفيهم من هو عريان مكشوف الرأس وعلى رأسه شوشة شعر، وفيهم من في أذنه حلق ذهب قدر القرصة وفي أيديهم أساور ذهب.
وأما القاصد الكبير فذكروا أنه كان ابن أمير كبير الحبشة وقيل: إن أباه هو الذي حضر في ذولة الملك الأشرف قايتباي وكان على رأسه خوذة مخمل أحمر وفيها صفائح ذهب وفيها بعض فصوص، وعلى رأس الخوذة درة كبيرة مثمنة وعليه شايات حرير ملون، وعلى بقية أمراء الحبشة شايات حرير ملون وعلى رؤوسهم شدود حرير. وذكروا أن فيهم شخصا شريفا … وكان مجموع هؤلاء الحبشة الذين حضروا إلى مصر نحو ستمائة إنسان وأوساطهم مشدودة بحوائص كهيئة الدنانير. وكان معهم لما شقوا من الصليبة طبلان على جمل يضربون عليهما وكان صحبتهم البترك وعليه برنس حرير أزرق. وكانت أعيانهم راكبة على خيول والبقية مشاة، فطلعوا القلعة من سلم المدرج والبترك ماش قدامهم. فلما وصلوا إلى باب الحوش كان صحبتهم كراسي حديد عالية وقصدوا أن يجلسوا عليها بحضرة السلطان فلم تمكنهم رؤوس النوب من ذلك، ووقع في