للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الميدان بين يديه، فلما تزايد به أمر الوجع من عصر أكعابه أسلم وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، برئت عن كل دين بلاف دين الإسلام". فكبر الحاضرون من العسكر والناس أجمعين، فلم يلتفت السلطان إلى إسلامه وأبقاه بالعمامة الصفراء ورسم ليحيى بن نكار دوادار الوالي بأن يتسلمه ويعاقبه ويستخلص منه المال جميعه، وقال: "المسلمون كثير والإسلام ما له حاجة بهذا! ". فشكه ابن نكار في الحديد ونزل به ليعاقبه ويستخلص منه المال فكان كما يقال: إذا تسلط على اليهودي يسلم!

وفي هذا الشهر أشيع بين الناس أن العجمي الشنقجي الذي كان نديم السلطان يضحك عليه، وقد تقدم القول على أن السلطان كان أرسله في أواخر شهر رمضان إلى نائب الشام وإلى نائب حلب، وعلى يده فيلان تقدمة من عند السلطان: أحدهما إلى نائب الشام والآخر إلى نائب حلب، فأشيع بين الناس أن الشنقجي قد مات على غير وجه مرضي، وقد اختلف القول في سبب موته وإلى الآن لم يثبت عنه خبر صحيح في كيفية موته والأقوال في ذلك كثيرة. وكان هذا العجمي مشعوذا مضحكا يلعب بالصحون لنحاس على جريدة في الحلق، فلما قربه السلطان وأحسن إليه صار من جملة أعيان المملكة، ويركب وقدامه الساعي ويشق من القاهرة وتعظمه الأمراء وتقوم إليه إذا دخل عليها، وكذلك أرباب الدولة من المباشرين وغيرها. وقيل إنه لما دخل إلى الشام كان في موكب حافل وزينت له مدينة دمشق لما شق فيها الفيلان اللذان أرسلهما السلطان. ويقال: أن نائب الشام أنعم عليه بنحو ألف دينار وكذلك نائب حلب، وكسب من السلطان أموالا جزيلة وسلاريات سمور ووشق وغير ذلك أشياء كثيرة، ومن الأمراء وأعيان الناس، وكان الناس يسألونه في قضاء حوائجهم عند السلطان، ورأى من العز والعظمة بالديار المصرية ما لا رآه أحد قبله من المقربين عند الملوك، وكانت رياسة هذا العجمي من غلطات الزمان كما قيل:

ما طاب فرع أصله خبيث … ولا زكا من مجده حديث

ولم يصح موته.

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه حضر مبشر الحاج وقد أبطأ عن ميعاده أياما.

وسبب ذلك أن العربان خرجوا عليه وعروه وأخذوا جميع ما معه حتى الراحلة التي تحته وجميع كتب الحجاج، فلم يصل لأحد من الناس من حجاجه كتاب في هذه السنة، وقيل إن المبشر مشى على أقدامه يومين وهو لابس بشت، فلما سمع السلطان ذلك تنكد والناس قاطبة لهذه الأخبار المهولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>