للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان حنق بسبب زوجته بنت جاني بيك دوادار الأمير طرباي وقد تقدم ذكر ذلك، فلما رأى خشقدم أن السلطان محط عليه بسبب جاني بيك فر على حين غفلة ونزل في مركب وتوجه إلى عند سليم بن عثمان وكان له أخ عند ابن عثمان، فلما توجه خشقدم إلى ابن عثمان أكرمه وأنعم عليه بأمرية في بلاده.

فلما استقر خشقدم عند ابن عثمان شرع يحط على السلطان عند ابن عثمان ويحبره بأمور من أفعال السلطان من أبواب المظالم، وأخبره بما أحدثه على السوقة من أمر المشاهرة والمجامعة على أرباب البضائع من المال المقرر عليهم في كل شهر، وأخبره بأمر الغش الذي في المعاملة في الذهب والفضة، وأخبره بأشياء كثيرة من هذا النمط عن أحوال مصر، حتى أخبره بجملة عساكر مصر وما يشتملون عليه، وأخبره عن أمر قضاة مصر قاطبة وأنهم يأخذون الرشوة على الأحكام الشرعية، وحسن له أن يمشي على بلاد السلطان وسهل عليه ذلك الأمر، فعرفه كيف يرسل مراكب على الإسكندرية ودمياط.

فعند ذلك طمعت آمال ابن عثمان بأن يملك مصر والله تعالى غالب على أمره.

فمن حين توجه خشقدم إلى ابن عثمان وهو بظهر المشيء على بلاد السلطان، ولا سيما قتل علي دولات وملك بلاده وولي فيها ابن سوار وجعله نائبه وصار يكاتب السلطان في مطالعاته بألفاظ يابس، وكل ذلك مما أوحاه إليه خشقدم عن أحوال الديار المصرية.

فلما حضر جانم الخاصكي وأخبر السلطان بما قاله ابن عثمان في حقه من هذه الأخبار المقدم ذكرها، اضطربت أحوال السلطان وتنكد لذلك، واستمرت الوحشة بينه وبين ابن عثمان عمالة.

وهذه الواقعة تقرب مما وقع للملك الناصر محمد بن قلاوون مع قبجق نائب الشام، فإنه أظهر العصيان على السلطان فأرسل بالقبض عليه، فلما تحقق ذلك فر من الشام وتوجه إلى غازان ملك التتار وقوى عزمه وحسن إليه بأن يمشي على بلاد السلطان فيملكها من غير مانع، وكذا جرى فمشي غازان على بلاد السلطان وملك حلب والشام، فخرج إليه الملك الناصر محمد بن قلاوون وتحارب مع غازان فكسر غازان الملك الناصر كسرة مهولة، فرجع الملك الناصر إلى مصر وهو مهزوم، ثم تحايا عسكر مصر ورجع الملك الناصر وتحارب مع غازان ثانيا فكسره كسرة مهولة وغنم منه أشياء كثيرة من خيول وسلاح وغير ذلك، وكان هذا كله من فتنة فبجق لما توجه إليه وحسن له ذلك، ونعوذ بالله أن تكون فتنة ابن عثمان مثل ذلك والأمر إلى الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>