لا رآه غيره من القضاة، وكان من أخصاء السلطان بحيث إنه كان يبات عند السلطان بالقلعة ثلاث ليال في الجمعة، وصار هو المتصرف في أمور المملكة بحضرة السلطان، واستمر على ذلك حتى تغير خاطر السلطان عليه بسبب ما تقدم ذكره من عزل القضاة الأربعة في يوم واحد، فعزل معهم، واستمر على عزله والسلطان متغيظ عليه ولا يسمع بذكره قط حتى مات من شدة قهره، ثم مات رحمة الله عليه، وقد قلت في هذه الواقعة:
طلعت لعبد البر أعظم ذبلة … من قهر أحكام القضا لما عزل
قد نال دل الطرد من سلطانه … وأتى إليه كل عكس متصل
*****
وفي شعبان كان مستهل الشهر يوم الأحد، فجلس السلطان في الميدان، وطلع القضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، وكان الخليفة متوعكا في جسده فلم يطلع للتهنئة بالشهر.
وفي يوم الثلاثاء ثالثة نزل السلطان وتوجه إلى قبة الأمير يشبك التي بالمطرية، فبات بها وتفرج على الملقة وكانت في قوة ملوها، فأقام هناك إلى يوم الأربعاء آخر النهار ثم عاد إلى القلعة، ونزل أيضا عقيب ذلك إلى القبة وبات بها.
وفي يوم الاثنين سادس عشرة حضر إلى الأبواب الشريفة جانم الخاصكي الذي كان أرسله السلطان إلى ملك التتار بسبب أقارب السلطان الذين أسرهم ملك التتار عنده، فلما مر من على بلاد ابن عثمان أرسل قبض عليه وأخذ ما كان معه من الهدية التي كان أرسلها السلطان إلى ملك التتار، وحصل لجانم من ابن عثمان غاية البهدلة، وهم بشنقه غير ما مرة حتى شفع فيه بعض وزراء ابن عثمان، فلما رجع جانم أخر عن ابن عثمان أمورا شنيعة قالها في حق السلطان وعسكر مصر، وأنه جهز عدة مراكب كثيرة نحو أربعمائة مركب في البحر تجيء ثغر الإسكندرية ودمياط، وفرقا من عسكره تجيء من على البلاد الحلبية، فلما تحقق السلطان ذلك أرسل خلف أمير كبير سودون العجمي وبقية الأمراء، فجلسوا في الدهيشة وضربوا مشورة بسبب ابن عثمان، وقيل: إنه حلف الأمراء في ذلك اليوم بأن يكونوا كلمة واحدة ولا يخرجوا عن طاعته ظاهرا وباطنا، وحلف هو أيضا لهم بمعنى ذلك، وانفض المجلس بعد الحلف.
ويقال كان سبب آثارة هذه الفتنة الحادثة بين السلطان وبين ابن عثمان أن خشقدم مملوك السلطان الذي كان مشد الشون. وقد تقدم القول على أنه كان قد حصل له من