للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسين دينارا ذهبا وجملا وعبدا وقال له: امض إلى الحجاز، فقال له ذلك الفقير: احملني معك إلى القدس فأزوره قبل أن أحج، فحمله معه لما سافر إلى نابلس، فعد ذلك من النوادر اللطيفة من الأمير الدوادار. وكان فيه الخير، وكان قليل الأذى بخلاف من تقدمه من الدوادارية.

وفي يوم الخميس سابع عشرينة عزل السلطان قاضي القضاة الشافعي محيي الدين بن النقيب فكانت مدته في هذه الولاية خمسين يوما لا غير، ونفد منه في هذه الولاية ثلاثة آلاف دينار غير الكلف ولم يقم فيها سوى هذه المدة اليسيرة وعزل فلما عزل لم يرث له أحد من الناس في سعيه في هذه الوظيفة، وقد نفد منه على وظيفة القضاء فوق الثلاثين ألف دينار، وهو ممقوت عند الناس ولم يمكث في الست ولايات إلا مدة يسيرة نحو السنتين، وكان أرشل قليل الحظ.

فلما عزل ابن النقيب في ذلك اليوم خلع السلطان على قاضي القضاة كمال الدين الطويل وأعاده إلى القضاء، وهذه رابع ولاية وقعت لقاضي القضاة كمال الدين، وقد سعى في هذه الولاية بثلاثة آلاف دينار، وكان الساعي له القاضي علاء الدين ناظر الخاص والشرفي يحيى الشطرنجي نديم السلطان، فلما لبس التشريف وشق من القاهرة أوقدوا له الشموع على الدكاكين وزينوا له بعض دكاكين في حارته عند الخانقاة البيبرسية. وكان قاضي القضاة كمال الدين محببا للناس قاطبة، ولما عاد قاضي القضاة كمال الدين إلى منصب القضاء هنيته بهذهين البيتين وهما:

إلى قاضي القضاة تقول مصر … لقد جاد الزمان بمشي حالي

ولما عاد منصبه أتاها … سرور بالتمام وبالكمال

فلما أحضروا له التشريف وقف السلطان عن لبسه في ذلك اليوم وصار يعتبه بكلمات مما تقدم منه، وقال له: "لا تبقى تحكم وترجع عن أحكامك".

وفي يوم الجمعة ليلة السبت ثامن عشرين رجب كانت وفاة قاضي القضاة الحنفي سري الدين عبد البر بن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة، وقد تقدم ترجمة نسبه في الجزء الثامن من التاريخ، وكان قاضي القضاة عبد البر إماما فاضلا عالما علامة في هيبة، وكان رئيسا حشما من ذوي البيوت من أعيان علماء الحنفية، توفي وله من العمر نحو خمس وسبعين سنة أو دون ذلك، ومات وهو منفصل عن القضاة، وقد أقام في منصب القضاة نحو ثلاث عشرة سنة وأشهر. وأرى في دولة الأشرف قانصوه الغوري ما

<<  <  ج: ص:  >  >>