وفي يوم السبت ثامنة نزل السلطان من القلعة وتوجه إلى المقياس وبات به، وأصبح يوم الأحد مقيما هناك، ومد له الزيني بركات بن موسى أسمطة حافلة وانشرح هناك، ثم طلع إلى القلعة بعد العصر من يوم الأحد، وكان النيل يومئذ في عشرين ذراعا فجلس في القصر الذي أنشأه على بسطة المقياس وكان ذلك اليوم بالسلطاني.
وفي يوم الاثنين عاشرة جلس السلطان في الميدان وعرض العسكر المعين إلى جهة الهند، فعرضهم وهم باللبس الكامل واستدعاهم كل واحد باسمه، فلما فرغ من عرض العسكر خلع على الرئيس سلمان العثماني كاملية مخمل أحمر بسمور وقرره باش المراكب المجهزة للهند، وقرر الباش الثاني شخصا يسمى يشبك وهو أمير عشرة، وقرر الباش الثالث شخصا يقال له دمرداش الأقريطشي وكان أصله إفرنجي يبيع النبيذ الاقريطشي فاشتهر بذلك، فأنعم عليه السلطان بأمرة عشرة وجعله باش العسكر - وكان ذلك من غلطات الزمان! - فلما انتهى أمر العرض بسط السلطان يده وقرأ سورة الفاتحة ودعا بالنصر للعسكر. ثم أن العسكر خرج من الميدان ونزل وشق من القاهرة وقدامهم الطبول والزمور ومكاحل النفط والبندقيات وعلى رؤوسهم الصنجق السلطاني، وكان لهم يوم مشهود. وكان مجموع هذا العسكر المتوجه إلى الهند على تحرر أمره نحو ستة آلاف إنسان، تفصيله: خاصكية خمسون، جمدارية مائة وخمسون، ومن الطبقة الخامسة المتجددة ما بين أولاد ناس ومماليك وغير ذلك أربعمائة وخمسون، وبحارة مقاتلين وتراكمة ومغاربة وغير ذلك خمسة آلاف وثلاثمائة أربعة وأربعين على ما قيل، فلما خرجوا من القاهرة توجهوا إلى الريدانية إلى أن يرحلوا من هناك إلى السويس، فكان السلطان في مدة إقامتهم في الريدانية يمد لهم أسمطة حافلة من ماله بكرة وعشيا إلى أن رحلوا من هناك وتوجهوا إلى نحو السويس، وكان عدة المراكب التي أنشأها السلطان بالسويس عشرين مركبا، وقد شحنها بالمكاحل والمدافع والبارود وغير ذلك من الزاد بسبب العسكر، وقد تقدم القول على أن السلطان أنفق على هؤلاء العسكر قبل ذلك وأعطى لكل مملوك منهم خمسين دينارا، ووعدهم بأن ينفق عليهم قبل أن يسافروا جامكية ستة أشهر معجلا عند خروجهم إلى السفر.
وفي ذلك اليوم خلع السلطان على قاصد ابن عثمان وأذن له بالعود إلى بلاده وكتب له الجواب عن مطالعتة التي حضرت على يده ثم أن السلطان قصد أن يعين له قاصدا من عنده فلم يطاوعه أحد من الأمراء ولا من الخاصكية بأن يتوجه قاصدا إلى ابن عثمان، وقالوا للسلطان هذا رجل جاهل سفاك للدماء وكل من توجه إليه بهذا الجواب قتله، فلم يوافق إلى التوجه إليه أحد من العسكر.