وكان سنبل هذا من أعيان الخدام حبشي الجنس جميل الصورة يدعى سنبل بن غاري، وكان له من العمر يومئذ نحو ثلاثين سنة، وكان لالا سيدي ابن السلطان وحج معه ورأى من العز والعظمة غاية التعظيم، وكان خازندار كيس، وكان من المقربين عند السلطان وافر الحرمة نافذ الكلمة، ولا سيما لما ولي ابن السلطان أمير آخور كبير فصار سنبل هو المتصرف في أمور باب السلسلة ويحكم عوضا عن ابن السلطان، وصار لا يقبل لأحد من الأمراء رسالة ولا شفاعة، فعادى جميع الأمراء وحملوا منه في الباطن، فلما جرى له ما جرى لم يرث له أحد من الأبراء، ولم يفد سنبل مما ناله من ذلك العز والعظمة شيئا، ومات هذه الموتة الشنيعة، ولم يتفق لأحد من الخدام قبله أنه مات موسطا، وكان ذلك من الأمور المقدرة.
فلما توسط سنبل خمدت تلك الفتنة وطلعت المماليك إلى الطباق وبطل أمر الفتنة، ثم أن السلطان أشهر المناداة في القاهرة: بأن لا سوقيا ولا تاجرا يبهدل مماليك السلطان ولا يمسك لأحد منهم لجام فرسه، ومن فعل ذلك قطعت يده ولا يقل حياه عليهم، وكانت هذه المناداة من أكبر الفساد في حق الناس، وصارت المماليك من بعد ذلك يدخلون إلى الأسواق ويخطفون القماش من على الدكاكين ولا يقدر أحد يمنعه من ذلك، وصار الناس معهم من بعد ذلك في غاية الضنك والقهر، وقد أرضى المماليك بقتل سنبل وبهذه المناداة عن طلب النفقة.
وفي يوم الاثنين ثالثة وردت على السلطان أخبار ردية بأن سليم شاه بن عثمان تملك غالب بلاد علي دولات وشرع في بناء أبراج على عقبة بغراص عند باب الملك، وأرسل نائب الشام ونائب حلب يعاتبان السلطان في تأخير إرسال التجريدة إلى اليوم بسبب حفظ البلاد قبل أن يتمكن منها عسكر ابن عثمان، فلما وردت هذه الأخبار على السلطان تنكد إلى الغاية وطلع إلى الدهيشة هو والأمراء وضربوا مشورة في ذلك الأمر.
وفي يوم الأربعاء خامسة نزل السلطان إلى قبة الأمير يشبك التي بالمطرية فأقام بها إلى بعد العصر، فلما رجع إلى القلعة شق عن علي باب اللوق، فلما شق من هناك وقف له جماعة هناك من التجار وشكوا له من أذى المماليك في حقهم وخطفهم القماش من على الدكاكين، فلم يلتفت إلى ذلك، وربما أغلظ التجار على السلطان في القول، فطلع إلى القلعة وهو في غاية السودنة من العوام.
وفي يوم الخميس سادسة توفي القاضي أبو الفتح السرم ساحي، وكان من أعيان الناس ورأس الموقعين العدول، وكان موته فجأة على حين غفلة.