وفي يوم الجمعة تاسع عشرينة قويت الإشاعات بوقوع فتنة كبيرة من المماليك الجلبان بسبب سنبل الطواشي لالا سيدي ابن السلطان، وقد تقدم سبب ذلك من أجل المملوك الذي قتله، فلم يطلع من الأمراء في ذلك اليوم إلا القليل، وقيل: إن السلطان لم يخرج ولم يصل الجمعة وكان في غاية النكد، وأرسل قبض على سنبل الطواشي وأودعه في الترسيم واحتاط على موجوده ورسم عليه بالدهيشة أربعة من الخاصكية، ومن حين وقعت هذه الحادثة رسم السلطان لولده بأن يقيم فوق القلعة ولا ينزل لباب السلسلة، خوفا ليه من المماليك حتى تخمد هذه الفتنة ويكون من أمرها ما يكون.
*****
وفي رجب، كان مستهل الشهر يوم السبت، فطلع الخليفة والقضاة الأربعة وهنوا السلطان بالشهر، وكان بالميدان فسلموا عليه ونزلوا إلى دورهم.
ومما وقع في ذلك اليوم من الحوادث المهولة أن المماليك الجلبان لما أصبحوا في ذلك اليوم استمروا على إثارة الفتنة المقدم ذكرها، فلبسوا كباشيات مقلوبة ووقفوا على باب سلم المدرج ومنعوا الناس من الطلوع إلى القلعة، وخاف مقدم المماليك وغيب من باب القلعة، وقصد المماليك أن ينهبوا الدكاكين التي في خرائب التتار، وقصدوا أن ينزلوا إلى المدينة وينهبوا الأسواق، فمنعهم من ذلك الأمير طقطباي نائب القلعة من النزول إلى المدينة، فلما طلع السلطان من الميدان ودخل إلى الدهيشة بلغه أمر هذه الفتنة، ثم اتسع الكلام بين المماليك وبين السلطان بسبب سنبل الطواشي الذي قتل المملوك، وقد تقدم القول على ذلك، فأرسلت المماليك تقول للسلطان:"إن لم تسلمنا سنبل الطواشي أو تنفق علينا لكل مملوك منا مائة دينار وتقيم حرمتنا فإن السوقة صارت تمسك لجام المماليك في الأسواق وتبهدلهم وما صار لنا حرمة بين الناس على أيامك". فلما ترددت الرسل بين المماليك وبين السلطان بسبب ذلك، وقد رأى السلطان عين الغدر من المماليك، رسم للوالي بأن يقبض على سنبل ويخرج به إلى المماليك، وكان سنبل من حين جرى منه ما جرى بسبب المملوك الذي قتله وهو في الترسيم عند السلطان في الدهيشة، فأخذه الوالي وخرج به وهو ماشي وعلى رأسه زمط وعليه ملوطة بيضاء وهو مفكك الأطواق، فلما خرج إلى باب القلعة أحاط به المماليك وقصدوا أن يقطعوه بالسيوف، فصار يسأل قرابة المملوك الذي قتل بألف دينار فأبى من ذلك وقال: ما آخذ إلا روحه، ثم أنزلوه من سلم المدرج وأتوا به إلى عند الحوض الذي تحت سلم المدرج فوسطوه هناك، وأحضروا له تابوتا فحملوه فيه ومضوا به فغسلوه ودفنوه، ومضى أمره كأنه ما كان.